الندوة الثانية2014 : مشايخ التراب : بقلم كمال جرفال

الندوة الثانية: الفئات الاجتماعية و المهنية خلال الفترتين الحديثة و المعاصرة

أيام 25 و 26 و 27 افريل 2014 بقصر البلدية بالقلعة الكبرى

عنوان المداخلة: مشايخ التراب بالقلعة الكبرى خلال الفترة الاستعمارية

 السيد كمال جرفال كلية الآداب و العلوم الإنسانية بسوسة

المقدمة

تعتبر مؤسسة الشيخ من أقدم المؤسسات التي شهدت تغييرات عديدة منذ العهد الحفصي على مستوى وظائفها و على مستوى التسميات التي أطلقت عليها، مما أفرز أصنافا عديدة من المشايخ[1]، إذ نجد شيخ العرف[2] و شيخ العرش و شيخ الفريق و شيخ النصف[3] و شيخ الطابع و شيخ المدينة و مشايخ الأرباض و الحوم و مشايخ الأقليات[4]. و قد تناولها بالدرس عدد من الباحثين في القانون و في علم الاجتماع و التاريخ، منهم من ركّز على بيان الاستمرارية           و التطور الحاصل في مؤسّسة المشيخة أو الانتقال من مؤسسة الشيخ إلى العمدة، و منهم أيضا من ركّز على دراسة مشائخ العروش في فضاءات ريفية محدّدة.[5] غير أن هذه الدراسة ارتأت الاهتمام بتاريخ صنف معيّن من المشايخ حدّدت صلاحياته الأوامر المنظمة و الصادرة منذ النصف الثاني من القرن 19 و خصوصا الأمر العلي الصادر في 30 جانفي 1905 المنظم للطريقة الجديدة لاختبار المشايخ، لذا ستهتمّ هذه الدراسة بالمشايخ الذين عُرفوا خلال الفترة الاستعمارية بمشايخ التراب Cheikh du territoire و في فضاء حضري محدّد هو تراب القلعة الكبرى.[6]

لقد بلغ عدد المشايخ بالبلاد التونسية سنة 1890 قرابة 583 شيخا من ضمنهم 42 شيخا بعمل سوسة.[7] و قد كان تراب القلعة الكبرى مقسما آنذاك الى ثلاث مشايخ: مشيخة الزعارنة، مشيخة الجرابعة و مشيخة أولاد محمد، و يضاف اليهم مشيخة فريق الجرابة الى حدود عام 1896.

 لقد شهدت البلاد التونسية خلال الفترة الاستعمارية تطورات هامة شملت في جانب منها مؤسسة الشيخ، وهو ما سنحاول التعرف عليه من خلال رصد أهم التحولات الحاصلة لمشايخ القلعة الكبرى خلال الفترة المذكورة استنادا الى الملفات الادارية لمشايخ القلعة المحفوظة بالسلسلة A من قسم الدولة بالأرشيف الوطني التونسي[8] و التي تعد قرابة 10 ملفات مختلفة الحجم.

لقد مكننا الاطلاع على هذه الملفات الادارية من التعرف على أهم التطورات الحاصلة لمؤسسة المشيخة خلال فترة الحماية. و هي تطورات نختزلها انطلاقا من دراسة مثال القلعة الكبرى في ثلاثة مستويات:

– تعاقب التغيرات على مستوى التقسيم الترابي للمشايخ. فبعد ضم مشيخة فريق الجرابة إلى اولاد محمد ثم دمج مشيختي الجرابعة و أولاد محمد في نهاية 1896 نشاهد في نهاية سنة 1939 إعادة تقسيم لهذه المشايخ (جرابعة و أولاد محمد) و تقسيم مشيخة الزعارنة إلى زعارنة شرقية و زعارنة غربية. فهل كانت هذه التغييرات بدافع إداري أم بدوافع عروشية كما رأى بعض الباحثين؟

– حصول تغييرات في طريقة اختيار المشايخ بفرض حجة الضمان المالي و قائمة الضامنين و ممتلكاتهم، وفي بعض المهام الموكلة لهؤلاء المشايخ. فهل استطاعت هذه الطريقة الجديدة وضع حد لانقسام الأهالي داخل مشايخهم بين مساند و محتج عل الشيخ المعيّن؟ و هل مكّنت شرائح اجتماعية أخرى من ولوج سلك المشايخ أم بقي هذا السلك حكرا على الأعيان و العائلات الثرية؟

– استمرار ارتباط هذه الخطة بما عرفت به من تجاوزات و تعسف و تهم فساد و هو ما تعكسه عرائض الاحتجاج و التشكيّات الكثيرة و هو ما يجعل الكثير من المشايخ عرضة للإعفاء أو العزل.

.1. التقسيم الترابي لمشايخ القلعة الكبرى: تقسيم إداري أو عروشي؟

شهد التقسيم الترابي لمشايخ القلعة الكبرى خلال الحقبة الاستعمارية تحويرات هامة تمثّلت في تقليص عدد المشايخ في مرحلة أولى بإلحاق مشيخة فريق الجرابة ثم مشيخة الجرابعة بمشيخة أولاد محمد، ثم بإعادة تقسيم هذه المشايخ في مرحلة ثانية بعد سنة 1939 إلى أربع مشايخ هي الزعارنة الشرقية و الزعارنة الغربية و الجرابعة و أولاد محمد.

أ – التقسيم الترابي للمشايخ إلى حدود سنوات 1890

كانت القلعة الكبرى تاريخيا مقسّمة إلى ثلاث مشايخ هي الزعارنة و الجرابعة و أولاد محمد تضاف إليها مشيخة فريق الجرابة التابعة لقيادة جربة. و قد ورد هذا التقسيم في دفاتر إحصاء السكان لعام 1863 و دفاتر المجبة. فالدفتر رقم 925 لإحصاء عدد رقاب سوسة و عملها من البالغين لأداء الإعانة عن عام 1280هـ/ 1863 يذكر جماعة الزعارنة (464 رقبة) و شيخهم عمر بن الصغيّر و جماعة الجرابعة (216 رقبة) و شيخهم أحمد القروي و جماعة أولاد محمّد (215 رقبة) و شيخهم بوبكر بن الحاج مبارك[9]. و في مراسلة له للوزير الأكبر سنة 1896 يذكر عامل سوسة أن :” عدد المشيخات بالكبرى ثلاثة عرش الزعارنة و عرش أولاد محمد و فريق الجرابة و عرش الجرابعة”. و تؤكّد شكاية بعض الجرابعة احتجاجا على إلحاق مشيختهم بمشيخة أولاد محمد و المرسلة سنة 1897 إلى الوزير الأكبر وجود ثلاث مشايخ:” ان بلدنا القلعة الكبرى من عمل سوسة منقسمة على ثلاثة مشايخ. فعرف منها كبير يسمّى الزعارنة و الذي يليه أقلّ منه عددا و العرف الثالث أقلّ عددا جدا و هذا الترتيب منذ خلق الله البلاد و عمّرها بالعباد…”[10]

و قد استمرّ هذا التقسيم إلى حدود منتصف التسعينات من القرن التاسع عشر حين سعى خليفة القلعة الكبرى الطاهر بن لطيفة (و هو من أولاد محمد) الرجل المؤثّر آنذاك في عمل سوسة إلى تقليص عدد المشايخ بالقلعة إلى مشيختين بدمج مشيخة فريق الجرابة بأولاد محمد في مرحلة اولى ثم بإلحاق الجرابعة بها في مرحلة ثانية.[11]

ب – التوجّه نحو الحدّ من عدد المشايخ: 1896-1939

– إلحاق الجرابة بأولاد محمد في مرحلة أولى

بقي فريق الجرابة القاطن أفراده بمشيخة أولاد محمد إلى حدود سنة 1896 خاضعا إلى الشيخ الذي يتّفق الجرابة على تعيينه و كان آخرهم الشيخ قاسم حلاوة الجربي الذي عُيّن بأمر علي صدر بتاريخ 23 جانفي 1886.[12] و قد مثّلت عملية إلحاق فريق الجرابة بمشيخة أولاد محمد الخطوة الأولى في سياسة الحدّ من عدد المشايخ بالقلعة الكبرى التي اتبعها محمد الطيب الجلّولي عامل سوسة آنذاك و بتحريض من خليفة القلعة الكبرى. فلقد استدعى خليفة سوسة شيخ الجرابة و افتكّ له جريدة إحصاء جماعته و طلب منه الاستقالة من المشيخة[13] بحجة قلّة عدد جماعته الذين لا يتجاوزون العشرين نفر و بالتالي صعوبة خصم جراية شيخهم من الأداءات التي يدفعونها.[14] و ردّا على احتجاجات فريق الجرابة الرافضين لإلحاق مشيختهم بمشيخة أولاد محمد حاول عامل سوسة تبرير موقف إدارته موضّحا أن: “الشيخ أحمد حلاوة المذكور لم يخاطبه الخليفة المذكور بتقديم استعفائه أصلا و ان الواقع في ذلك هو ان الشيخ المذكور ارتكب أمورا تخلّ بخطته و حيث كان عدد إخوته قليلا و دخلهم لا يقوم بالشيخ و هم نحو العشرين نفرا و لم تبق في الشيخ المذكور أهلية للقيام بواجب الخدمة و كان من المناسب ضمّهم لمشيخة عرش أولاد محمد حيث كان غالبهم يسكن بحومتهم…”[15]

و يبدو من خلال ردّ عامل سوسة أن التعلّة الأساسية وراء إلغاء هذه المشيخة هو ارتكاب شيخ الجرابة أمورا تخلّ بالخطة و فقدانه أهلية القيام بالواجب. و هنا تطرح مسألة الجدوى المالية من مؤسّسة المشيخة، ذلك ان أهلية الشيخ لم تعد تستمدّ من اتفاق جماعته بل من قيمة الأموال المستخلصة التي ترتبط بعدد الدافعين للأداءات التي بإمكانها أن تدخل خزينة الدولة.

– دمج الجرابعة و أولاد محمد في مشيخة واحدة

مثّل دمج الجرابعة و أولاد محمد في مشيخة واحدة الخطوة الثانية من سياسة تقليص عدد المشايخ بالقلعة الكبرى. فلقد كانت الجرابعة تعتبر من العناصر المؤسّسة للقلعة إلى جانب الزعارنة و الأكثر عددا من حيث عدد السكان بعد الزعارنة و الأقرب إلى وسط المدينة، إذ توجد أهم المنشآت من جامع و رحبة و سوق يومية في منطقة التماس بينها و بين مشيخة الزعارنة.[16] بينما كانت مشيخة أولاد محمد توجد في الجزء الجنوبي من القلعة الكبرى و كانت بمثابة الحاضنة لكل الوافدين الجدد.

لقد بدأت أطوار قضية ضمّ الجرابعة إلى أولاد محمد في جويلية 1896 حين توتّرت العلاقة بين شيخ الجرابعة و محمد الطيب الجلولي عامل سوسة. فلقد اتهم هذا الأخير الشيخ المذكور بالتهاون في خلاص مال الدولة مطالبا بتأخيره و الاتفاق على غيره ممن يصلح للخدمة[17]، لذا دُعي الشيخ عمر الزواري إلى القسم الأول من الوزارة للاستفسار عن هذه النازلة و رغم إنكاره ما نُسب إليه فقد تمكّن عامل سوسة من اقناع الوزير الأكبر بإلغاء مشيخة الجرابعة و إلحاقها بمشيخة أولاد محمد بعد أن كان قد اقترح تعويض الشيخ فحسب. و قصد اتمام عملية الإلحاق و صدور الأمر العلي بضم الجرابعة لمشيخة أولاد محمّد طولب من عامل سوسة إرسال اتفاق المذكورين على تسليم المشيخة، فأمضى قرابة 103 أنفار من سكان الجرابعة على عريضة يشهدون فيها على رضائهم بالاندماج مع أولاد محمّد و بأن يكون الشيخ محمد الزرقاطي شيخا عليهم. و في فيفري 1897 صدر الإذن العلي بضم فريق الجرابعة للمشيخة المذكورة.  و هكذا أصبحت القلعة الكبرى مكوّنة إداريا من مشيختين فقط كما أراد ذلك خليفة القلعة الطاهر بن لطيفة و بدعم قوي من عامل سوسة الذي أكّد على أن ضمّ الجرابعة لأولاد محمّد أنسب من حيث الخدمة المالية و الإدارية مع نموّ دخل الشيخ.[18]

ج – إعادة تقسيم المشايخ بداية من عام 1939

على غرار بقية مدن و أرياف الإيالة شهدت القلعة الكبرى في فترة الثلاثينات من القرن العشرين نموا سكانيا ملحوظا، إذ مرّ عدد سكّانها من 10792 نسمة إلى 14959 نسمة بين تعدادي 1921 و 1936.[19]و نتج عن هذه الزيادة السكانية توسّعا عمرانيا و تزايدا للخدمات و تنوّعها داخل هذا التجمّع السكني. و قد عبرّت إحدى العرائض المرسلة من السكان إلى الوزارة الكبرى بتاريخ 5 جوان 1937 و المطالبة بتوسيع الجامع الكبير عن مدى أهمية التطوّر العمراني و البشري التي يشهدها البلد، إذ تذكر:” أن البلد كثر فيه العمران و صار يحتوي على نحو العشرين ألفا من السكان”.[20] و قد دفعت هذه التطوّرات إدارة عمل سوسة إلى التفكير في إعادة النظر في التقسيم الإداري للمشايخ بالقلعة الكبرى. و الحقيقة أن المبادرة بإعادة التقسيم كانت مقترحة من شيخ الجرابعة و أولاد محمّد الهذيلي دردور الذي طرح في مراسلة له إلى عامل سوسة فكرة تقسيم مشيخته إلى قسمين معلّلا ذلك بتزايد عدد سكان الجرابعة و خشيته من تضخّم الخدمة بازدياد عدد السكان: “… نرحب من الجناب قسم المشيخة المذكورة إلى نصفين. فالجرابعة و أولاد محمّد و إسناد أولاد محمّد إليّ و انتخاب لمن يراه الجناب صالحا إلى الجرابعة حتى تخفّ عليّ الخدمة و يمكن لي أن اقوم بواجبي كما يلزم…”[21] و يبدو أن هذا المقترح قد وجد دعما كبيرا من طرف عامل سوسة الذي راسل الوزير الأكبر الهادي لخوة في الموضوع مفسّرا له أسباب الدعوة إلى التقسيم ” بكبر المشيخة و تعطيل النوازل بها و عجز الشيخ عن القيام باستخلاص المطالب الدولية بمشيخته طبق ما يرضي” مبيّنا له أنه رغم الصابة “لا يزال باقيا عليه إلى حدّ الآن أكثر من 200 ألف فرنك و لمّا وجّه إليه لوما شديدا اعتذر بأنه غير قادر على أداء مهامه لسعة المشيخة التي يطالب بقسمتها إلى نصفين…”[22] و فعلا اتخذ قرار تقسيم المشيخة إلى نصفين، فأسندت مشيخة أولاد محمّد إلى الهذيلي دردور في حين فتح باب الترشّح لمشيخة الجرابعة التي تقدّم لها ثلاثة مترشّحين من بينهم عبد العزيز بن علي الشتيوي الذي اختير لهذه الخطة.

شهدت مشيخة الزعارنة نفس التطورات الحاصلة بمشيخة أولاد محمّد و الجرابعة، إذ تزايد عدد سكانها و تفاقمت مشاكلهم الاجتماعية و كثرت احتجاجات قسم من سكانه على تجاوزات شيخهم أحمد بن حسين و كان قد أوقف عن مباشرة مهامه في سبتمبر 1937. و لقد شجّعت كلّ هذه الأسباب المراقبة المدنية و إدارة عمل سوسة و الوزارة الكبرى على اتخاذ قرار تقسيم الزعارنة إلى مشيختين: الزعارنة الشرقية و الزعارنة الغربية. و كان ذلك بمكتوب وزيري إلى عامل سوسة بتاريخ 23 أوت 1939 أمر بتعيين أحمد بن حسين شيخا على الزعارنة الشرقية و بالدعوة إلى انتخاب من يليق بالمشيخة الباقية.[23] و يبدو أن هذا القرار قد اتخذه المراقب المدني بسوسة بعد التأكّد من الاحتفاظ بأحمد بن حسين في منصبه و لكي لا يجد هذا الأخير فرصة للانتقام من معارضيه.[24]

د – هل هو تقسيم إداري أم عروشي؟

طرحت مسألة انقسام القلعة الكبرى إلى أربعة أحياء كبرى هي الجرابعة و أولاد محمّد             و الزعارنة الشرقية و الزعارنة الغربية جدلا بين بعض المهتمّين بتاريخ الجهة. فمنهم من رأى هذا الانقسام مجرّد تقسيم إداري حديث يخلو من أي مدلول إثني مستدلاّ في ذلك بانحدار أغلبية سكان القلعة من قبيلة واحدة و هي لواتة البربرية الأصل[25] و بوجود زيجات تعقد بحرية كاملة بين أفراد الأحياء الأربعة[26] بينما فنّد الأستاذ علي اللطيف فكرة انحدار أهالي القلعة الكبرى من أصل واحد و هو قبيلة لواتة مدعّما رأيه بما حصل من نزاعات بين المجموعات المذكورة حول قضية التقسيم الإداري و الترابي للمشايخ في التسعينات من القرن التاسع عشر و التي اكتست طابعا عروشيا برز في احتجاجات بعض الجرابعة على ضمّ مشيختهم إلى مشيخة أولاد محمّد. و بين أن ظاهرة العروش قديمة بالقلعة الكبرى رغم الغموض في التسميات المستعملة و بالتالي فقضية التقسيم الترابي للمشايخ تتعلق بعروش و فرق و ليس بتقسيم إداري كما رأى بن عجمية.[27]

و الحقيقة أن التقسيم الترابي لمشايخ القلعة الحاصل في أواخر القرن التاسع عشر لا يجب ان يُنظر إليه بمعزل عما سيحدث من إعادة تقسيم لهذه المشايخ في أواخر سنة 1939 أو أن يُفسّر خارج سياقه التاريخي بدون التطرّق إلى الجوانب الديموغرافية و العمرانية و الاقتصادية و السياسية. لقد أُلغيت مشيخة فريق الجرابة لأنها لم تعد لها جدوى اقتصادية تذكر بالنسبة إلى الدولة. أما دمج الجرابعة و أولاد محمّد في مشيخة واحدة فأسبابه إدارية و مالية بحتة و لكنها تزامنت مع رغبة لشخصية متنفّذة من أولاد محمّد وهو خليفة البلد الطاهر بن لطيفة بإخضاع الجرابعة و قد وجد دعما من طرف عامل سوسة. و رغم احتجاجات بعض الجرابعة على ادماجهم في مشيخة أولاد محمّد، فإن قرابة 103 نفر منهم قد أمضوا على عريضة يعبّرون فيها على رضائهم بأن يصبحوا عرشا واحدا. و هو ما يفنّد الرأي القائل بأن هذا التقسيم خلفيته عروشية بحتة. ومن جهة أخرى، تدحض عملية إعادة التقسيم للمشيخة إلى مشيختين أولاد محمّد و الجرابعة و التي أتت باقتراح من شيخ الجرابعة و أولاد محمّد الهذيلي دردور، وجود اي خلفية عروشية أو قبلية للتقسيم الترابي لمشايخ القلعة الكبرى. كما أن التقسيم الحاصل لمشيخة الزعارنة في أواخر سنة 1939 إلى مشيختين مستقلّتين دليل آخر على أن التقسيم الترابي لمشايخ القلعة أساسه دوافع إدارية و مالية لا غير مرتبطة بالمتغيّرات الديمغرافية و بالظروف الاقتصادية و الاجتماعية.

قائمة مشايخ الجرابعة و أولاد محمد بالقلعة الكبرى

الجرابعة أولاد محمد الجرابعة و أولاد محمد معا

-عمر بن الشيخ خليفة الزواري 1893-1897 (الإعفاء لإلحاق مشيخته بأولاد محمد)

– عبد العزيز بن علي الشتيوي 1940-1957 (الإعفاء)

– محمد الزرقاطي إلى حدود 1897 ضمت له مشيخة الجرابعة

-الهذيلي دردور من 1940-1957 (الإعفاء)

-محمد الزرقاطي من 1897 و 1907 (الإعفاء بسبب كبر السن)
-محمد الهاشمي بن لطيفة بداية من 1907
– العادل بن الطاهر بن لطيفة إلى حدود 1923 (العزل)
– الهذيلي دردور 1923-1940

*قائمة مشايخ الزعارنة من انتصاب الحماية إلى 1957

الزعارنة الزعارنة الشرقية

الزعارنة الغربية

– محمد بوقطاية إلى سبتمبر 1892 (الوفاة)

– محمد بن حسن بن خليفة من 1892 إلى 1907 (الإعفاء بسبب كبر السن)
-الحاج عمر دودش من 1907 إلى 1912 (الوفاة)

– محمد بن الحاج عبد القادر دودش من 1912 إلى 1921 (العزل لعجزه عن القيام بمهامه و تهاونه)

-أحمد بن علي بن حسين 1921-1939 (الإيقاف ثم تعيينه شيخا على الزعارنة الشرقية)

-أحمد بن علي بن حسين 1939- 1942 (العزل)

-عبد الرحمان بن عبد السلام 1942-1944 (العزل بسب الاعتداء بالعنف على مساعده)

-الطاهر بن علي بن فرج بلعيد 1944-1954 (الوفاة)

-زايد بن مبروك بن سعد 1939-1957 (الإعفاء)

.2. صلاحيات مشايخ التراب و طريقة اختيارهم

شهدت مؤسّسة المشيخة خلال الحقبة الاستعمارية تغييرات ملحوظة بصدور قوانين جديدة تضع قواعد لاختيار المشايخ و تحدّد مهامهم و تجعلهم في علاقة مباشرة بالسلط الاستعمارية، من ذلك ان تعيين الشيخ على جماعته أصبح لا يتم إلا بعد موافقة المراقب المدني.[28]

أ – أهمّ القوانين المنظمة لمؤسّسة المشيخة

أُدخلت على مؤسّسة المشيخة عدة تحويرات و خاصة خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حيث تعدّدت الأوامر المدعّمة لدور الشيخ في حارته أو بلدته أو في قبيلته. و نذكر خاصة الأمرين العليين: الأول الصادر في 12 أكتوبر 1860 و الثاني في 4 اكتوبر 1869 و قد منح هذان الأمران الشيخ صلاحيات واسعة على المستوى الجبائي، كُلّف بمقتضاها باستخلاص ضريبتي المجبة و القانون على الزيتون و النخيل.[29]

و أثناء فترة الحماية الفرنسية شهدت هذه المؤسّسة تغييرات أخرى بصدور قوانين جديدة منظمة لطريقة اختيار الشيخ، كان أبرزها الأمرين العليين الآتيين: الأمر العلي الصادر في 30 جانفي 1905 و الأمر العلي الصادر في 17 فيفري 1945.

لقد وضع الأمر العلي الصادر في 30 جانفي 1905 قواعد جديدة لاختيار الشيخ تلغي طريقة التعيين القديمة التي كانت تعتمد على اتفاق جماعة المشيخة على تعيين شيخهم ثم صدور الإذن العلي بالتعيين. و وفقا لهذا الأمر الجديد أصبح يشترط الضمان المادي في اختيار الشيخ، إذ وقع التأكيد في المعروض الوزاري المرسل من الوزير الأكبر محمد العزيز بوعتور إلى العمّال بتاريخ 31 جانفي 1905 على توفّر شرط الضمان المالي في قبول الترشح لخطة الشيخ :”… و لسدّ هذا الخلل استقرّ الرأي على أنكم كلما شغرت مشيخة إلا و تعرضون علينا في أقرب وقت ممكن نفرين أو ثلاثة من أهل المشيخة متوفّرة فيهم شروط اللياقة لتنتخب الدولة واحدا منهم بشرط أن يقدم كل منهم ضمانا كافيا ترضاه الدولة في الخدمة المالية. أما عدد الضمان فأهميته لا تكون إلا ثانوية و يكفي أن تكون مكاسبهم كافية لحفظ الصندوق من كل خسارة في حالة ما إذا ما عجز الشيخ عن دفع ما استخلصه و تعرفونا بمن هو الأليق من الذين تعرضونهم علينا و بحالة كل واحد من الحملاء من جهة الكسب و بعد ذلك يصدر لكم الإذن العلي بكتب حجة الضمان على يد عدلين باسم النفر الذي ترجّحه الدولة…”[30]. و حسب هذه الطريقة الجديدة أصبح اختيار الشيخ يتمّ على مرحلتين: في مرحلة أولى تجتمع جماعة أعيان المشيخة بحضور الخليفة أو الكاهية و ينتخبون 3 أفراد من بين المترشّحين. و في مرحلة ثانية، تنظر السلط المحلية أي القايد و المراقب المدني في وضعية المترشحين ثم ترسل قائمة المترشحين مرفوقة ببطاقات ارشادات حول كل مترشح و ببطاقة السوابق العدلية و بجرائد الضمان (أي قائمات الضامنين و قيمة ممتلكاتهم و نوعها بالنسبة إلى كل مترشّح)، ثم يصدر الإذن العلي  باختيار الشيخ الأوفر حظّا. و عندئذ يطلب منه إرسال حجة ضمان (تأمين) محرّرة من طرف عدلين ليتمّ رسميا تعيينه و صدور تسميته في الجريدة الرسمية.

لقد أوضح  المعروض الوزاري المشار إليه أن الغاية الأساسية من فرض الطريقة الجديدة في انتخاب المشايخ هي تجاوز المشاكل و الصعوبات الناجمة عن طريقة الاتفاق و الاجماع خصوصا بعد التغييرات الحاصلة إبان الفترة الاستعمارية في الهيكلة الترابية للمشايخ و تزايد الصراعات داخل المشايخ عند اختيار الشيخ الذي كثيرا ما يصبح مستهدفا من الفريق الذي عارض ترشّحه و ما ينشأ عن ذلك من تعطيل لخدمته[31]. لكن يبدو أن هذه الطريقة الجديدة قد قوّت مراقبة الدولة لمؤسسة المشيخة إذ اصبح اختيار الشيخ يمر آليا عبر السلطة المحلية (من القايد و المراقب المدني) التي تبدي رأيها و يكون هذا الرأي هو المحدّد في عملية الاختيار. كما أن فرض الضمان المالي على كل مترشح كان هدفه المحافظة على مداخيل الدولة، و بالتالي على حسن خدمة الدولة ماليا. و من هنا تصبح عملية الضمان في الشيخ مهمّة خطيرة بالنسبة للضامنين من فريقه و هو ما يدفعهم إلى مراقبته و محاسبته على ما استخلصه من ضرائب حتى يتجنبوا خطر “بيلكتهم”[32]، و بذلك تتمّ المحافظة على أموال الدولة.

لم يحدث الأمر العلي الثاني الصادر في 17 فيفري 1945 تغييرات كبيرة في اختيار المشايخ او في تحديد مهامهم. لقد ورد هذا الأمر العلي في قسمين كبيرين: تعلّق الأول بطريقة تعيين الشيوخ و المنح السنوية المرصودة لهم، في حين أقرّ القسم الثاني منه إحداث مجالس المشيخات في كل مشيخة ترابية توجد خارج المحيط البلدي. و لقد عهد الفصل الأول من القسم الأول لهذا الأمر مهمة انتخاب المرشحين الثلاثة لمجلس المشيخة المحدث بموجب هذا الامر. و هو يعتبر التحوير الوحيد الذي أدخله هذا الأمر على طريقة انتخاب الشيوخ التي كان قد أرساها الأمر العلي الصادر سنة 1905.[33]

ب- صلاحيات و مهام مشايخ التراب

لم تحدث الأوامر الجديدة الصادرة خلال الفترة الاستعمارية تغييرات كبيرة في صلاحيات و مهام شيوخ التراب، إذ بيّن تقرير الجامعة العامة لمشايخ التراب الصادر في بداية الخمسينات المهام و الأعمال الكثيرة التي بقي يقوم بها هؤلاء:”… أهمها استخلاص الضرائب الدولية و تمثيل الذاتية التونسية في مختلف أنحاء القطر التونسي لذلك تعدّدت أشغالهم من ضبط الحالة المدنية من ولادات و وفيات و الحرص على الأمن العام في القرى و البوادي بالإشراف على الجهة بواسطة مجلس الشرطية و إعانة المحافظة العامة و الجندرمة عند الاقتضاء، و القيام بما يلزم من جلب الشبان الصالحين للخدمة العسكرية أمام لجان الاختبار و القرعة. و بصورة عامة، فإن الشيخ ملجأ كل رائح و غاد من أرباب الحل و العقد و ممثلي الإدارة الفرنسية و الأجنبية و عون من أعوان التنفيذ و محور الارتكاز في الإدارة فلا يتمّ شيء إلاّ به و لا يستعان على قضاء مآرب ذات بال إلا بواسطته.”[34] لكن تجدر الإشارة إلى أن إحداث المجالس البلدية و مراكز الشرطة و الجندرمة في التجمعات السكانية الهامة مثل القلعة الكبرى، قد ساهم نسبيا في تقلّص المهام الموكلة إليهم. و يمكننا حصر أعمال الشيخ في المهام التالية:

– النظر في النزاعات الناشئة بين أفراد مشيخته اعتمادا على العرف و الشرع، لذا يشترط في المترشح للمشيخة أن يكون متعلّما و له جملة من المعارف.

– مهمة الوساطة بين جماعته و السلطة الجهوية و المركزية. فهو يمثّل جماعته لدى السلطة و يمثل السلطة لدى جماعته، لذا عليه أن يستجيب إلى مصالح كلا الطرفين ليحافظ على الاستمرار في خطته.[35]

– مهمّة الإخبار لفائدة السلطة الجهوية و المركزية بإعلام القايد و الخليفة و الكاهية أولا بكلّ ما يطرأ داخل تراب مشيخته.[36]

– مهام جبائية: فالشيخ هو عون لاستخلاص ضرائب الدولة من مجبة و قانون. فهو من وجهة نظر السلطة يعتبر المستخلص القاعدي للجباية لذا يُختار من بين العائلات الثرية و المتنفّذة لكي يضمن خلاص مجابي الدولة[37]. و تجدر الإشارة إلى أن المشايخ و قبل صدور الأمر العلي في 17 فيفري 1945 لم يكونوا يحصلون على مرتّب من الدولة بل كانوا يتقاسمون مناصفة مع القياد نسبة 10 بالمائة ممّا يستخلص جبائيا من الأهالي. لذلك كان القياد يحرصون على اختيار الشيوخ الأكثر حزما في جمع الضرائب.[38]

-مهام أخرى: مثل القيام بدور ضابط الحالة المدنية و تحديد قائمات الشبان المدعوين للقرعة العسكرية.

لم تحدث الطريقة الجديدة في اختيار المشايخ تطورا واضحا في الأوضاع المادية و المهنية لهذا السلك. لقد بقي مقياس الاختيار للخطة يستند إلى الثروة التي هي بحوزة المترشّح و بعدد الضامنين فيه و بوضعهم المالي. كما ظلّت المهام الموكلة إلى المشايخ كثيرة و متنوعة خصوصا في المناطق الريفية. و لقد أدى تردّي الوضع المادي و المعنوي للمشايخ في أعقاب الحرب العالمية الثانية و خصوصا في بداية الخمسينات إلى بروز نفس مطلبي و نقابي تجسّد فعلا بتكوين ودادية مشايخ التراب بالايالة التونسية تابعة للجامعة العامة للمتوظفين التونسيين[39] و كانت تضم قرابة 630 منخرطا. و لقد عرضت مراسلة رئيس هذه الودادية إلى وزير الدولة آنذاك محمود الماطري بتاريخ 18 أفريل 1951 مجمل مطالب مشايخ التراب و المتمثّلة في إبطال الانتخاب و تعويضه بمناظرة لاختيار المشايخ، إدماج المشايخ في سلك المتوظفين، إحداث مجلس تأديبي للنظر في المخالفات التي يرتكبها الشيوخ و تحسين وضعهم المهني بإحداث مكتب للشيخ و تأثيثه و تعيين معاون له و تحديد مهامه بدقة.[40] و لقد أكّدت الجامعة العامة لمشايخ التراب في تقريرها المرفوع إلى محمد الأمين باي في بداية الخمسينات على هذه المطالب و انتقدت طريقة انتخاب الشيخ و عبّرت عن رغائب مشايخ التراب و المتمثلة في:

– اختيار الشيخ بالمناظرة و من بين الحاملين لشهادة علمية صونا لكرامته أمام رؤسائه و منظوريه.

– إدماج المشايخ في سلك الوظيفة العمومية و اعتبار الشيخ موظفا.

– تحسين ظروف عمل الشيخ بتمكينه من مكتب مؤثّث و من معين كاتب.

– تمكينه من مرتب معقول يضمن له العيش بعزة و كرامة و من عمل محدود و مشمولات أنظار مدققة.[41]

و يبدو أن بعض هذه المطالب سوف لن تجد لها صدى إلا بعد الاستقلال و بعد إعادة التنظيم الاداري للبلاد التونسية و خصوصا بعد إحداث سلك العُمد خلفا للمشايخ سنة 1969.

.3. مشايخ تراب القلعة الكبرى وفق طريقة الاختيار الجديدة (1907-1957)

ظلّت طريقة الاتفاق و التعيين سارية المفعول في اختيار مشايخ القلعة الكبرى إلى حدود سنة 1907. ذلك أن شيخ الزعارنة محمد بن حسن خليفة قد عُيّن سنة 1892 باتفاق جماعته و تزكية السلطة المركزية عقب وفاة الشيخ محمد بوقطاية.[42] غير أن عامل سوسة قرّر سنة 1907 تطبيق الطريقة الجديدة في انتخاب المشايخ و المنصوص عليها في الأمر العلي الصادر في جانفي 1905، فاستغلّ كبر سنّ كل من شيخ الزعارنة المذكور و شيخ الجرابعة/أولاد محمد الشيخ محمد الزرقاطي و اتهمهما بالتهاون في الخدمة قصد إعفائهما و الدعوة لاختيار شيخين جديدين.

بدأ تطبيق الطريقة الجديدة في الانتخاب في مشيخة الزعارنة، حيث ترشّح للخطة في أكتوبر 1907 شخصان هما الحاج عمر دودش و محمد بن عبد القادر دودش. غير أن هذا الأخير اعتذر عن قبول المشيخة بعد اختياره على الطريقة الجديدة في حين قبل الحاج عمر دودش و قدّم قائمة بأسماء الضامنين تضمّ 14 فردا مع حصر لممتلكاتهم من الزياتين و الدواب و الماشية. و قد وجد الحاج عمر دودش دعما من عامل سوسة محمد الطيب الجلولي الذي أثنى على سيرته الحسنة و ذكر أنه: “يليق بالخطة المذكورة”.[43] و صدر أمر تولية الحاج عمر دودش شيخا على الزعارنة بالرائد الرسمي يوم 23 اكتوبر 1907.

و منذ ذلك التاريخ و طوال الفترة الاستعمارية استمرّ العمل بالطريقة الجديدة في اختيار المشايخ. ففي سنة 1912 و اثر وفاة الشيخ عمر دودش ترشّح لمشيخة الزعارنة ثلاثة أنفار هم: محمد بن عبد القادر دودش و زايد بن مبروك بن سعد و صالح ضيف الله. و قد قدّم كل شخص قائمة باسم الضامنين فيه و ممتلكاتهم. غير أن عامل سوسة محمد البشير صفر رجّح الكفة للمرشّح محمد بن عبد القادر دودش: “لمباشرته للكتابة لدى الشيخ المتوفى و له معرفة تامة بأصول الخدمة الإدارية و الحسابية مع عفة و استقامة و حزم يؤهّله للقيام على الوجه الأتمّ بالخدمة…”[44] ففاز هذا الأخير بالخطة و صدر أمر تعيينه بالرائد الرسمي في 7 ديسمبر 1912. ثم تكرّر تعدّد الترشّحات وفق الطريقة الجديدة لمشيخة الزعارنة اثر عزل محمد دودش سنة 1921، حيث حُظي ترشّح أحمد بن حسين بدعم السلط المحلية و الجهوية أمام بقية المترشّحين. و هو ما سنلاحظه أيضا في الترشّحات لخطة مشيخة الزعارنة الغربية سنة 1939 و أيضا في الترشّح لمشيخة الجرابعة /أولاد محمد سنة 1923.

إن ما يمكن استنتاجه من خلال دراسة ملفات المترشحين و جرائد الضامنين بهم و بطاقات الارشادات ان أغلب الفائزين بخطة المشيخة في تراب القلعة الكبرى بين 1907 و 1945 ينتمون إلى عائلات غنية و متنفّذة، إذ تدلّ بطاقة الارشادات للفائز بخطة مشيخة الزعارنة سنة 1921 أحمد بن حسين أنه فلاّح متعلّم يملك دارا و قرابة 369 عود زيتون إلى جانب أملاك أخرى يشترك فيها مع إخوته. وهو ينتمي إلى عائلة أعيان و غنية تتمتّع بإشعاع لدى فريقه، إذ كان جدّه شيخا و والده عدلا.[45] و الجدير بالإشارة إلى أن ترشّح أحمد بن حسين قد دعّمه عامل سوسة عبد الجليل الزاوش حيث ذكر في مراسلته إلى الوزير الأكبر: “و قد رجّحت الأول لتمام مقدرته على القيام بالوظيف و مزيد نشاطه و تيقّضه”[46] علما و أن أحمد بن حسين كان يدعمه أيضا خليفة القلعة الكبرى الطاهر بن لطيفة و المراقب المدني بسوسة و المقيم العام الفرنسي الذي دعا إلى التمسّك بترشّح أحمد بن حسين رغم تشكيات الأهالي.[47] و سوف يجد هذا الأخير أيام محنته سنة 1937 مساندة كبيرة من شارل صوماني و المحامي حسن القلاتي.

أما عبد الرحمان بن عبد السلام المترشّح لخطة مشيخة الزعارنة الشرقية سنة 1942 فتدلّ بطاقة الارشادات في شأنه انه متعلّم و له مكاسب تقدّر ب 130.000 فرنك.[48] و هو ينتمي كذلك إلى عائلة ثرية مسموعة الكلمة و لها تأثير. و لوالده مدارك عالية في المعارف و هو محرز على نيشان العلوم و عدل و عضو بالمجلس البلدي منذ تاريخ إحداثه. و المترشّح حميد السيرة و مقبل على شؤونه.[49]

في حين يمثّل الطاهر بن فرج بلعيد نموذجا آخر للمترشحين الفائزين بخطة المشيخة سنة 1945. فرغم أنه لم يكن مرشّحا ضمن القائمة الأولى التي بعثها عامل سوسة إلى الوزارة الكبرى بتاريخ 25 جانفي 1945[50]، فإننا نجده يترأّس القائمة الثانية للمترشّحين الثلاثة المرسلة إلى الوزير الأكبر بتاريخ 27 أفريل 1945 [51] و يجد الدعم الكبير من طرف عامل سوسة الذي رجّح ترشيحه لهذه الخطة: “لما يتمتّع به من النفوذ الأدبي على أهالي فريقه و لحسن سيرته و استقامته زيادة عن مكانة عائلته و سمعة والده الذي تولّى خطة القضاء ما ينيف عن الأربعين عاما…”[52] حسب قوله.

و الحقيقة أنه إلى جانب النواحي العائلية و السيرة الحميدة التي يتمتّع بها المترشّح و درجة تعلّمه باعتباره متخرّجا من الجامع الأعظم، فإن ما رجّح الكفّة لفائدته هو عدد الضامنين و قيمتهم و قيمة الضمان المادي، ذلك أن جريدة ضمان الطاهر بلعيد قد تكوّنت من 14 ضامنا من كبار ملاكي القلعة من عائلات بلعيد و بن سعد و عبد السلام و بوقديدة و المحجوب و الخشتالي و بن عبد الملك حيث حُدّدت قيمة ممتلكاتهم المتألّفة من آلاف أصول الزيتون و من 4 معاصر بـ 10950000 فرنك. هذا إلى جانب أن مكاسب المترشّح نفسه قد حدّدت قيمتها بـ 1500000 فرنك.[53]

يتضح إذن من خلال الأمثلة المذكورة أن الثروة و الانتماء العائلي إلى فئة الأعيان و الإشعاع داخل الجماعة تعتبر من الشروط الأساسية للفوز بخطة الشيخ، هذا بدون أن نهمل أهمية شبكة علاقات المترشّح داخل المشيخة و خارجها و الدعم الذي يمكن أن يتحصّل عليه من أطراف خارجية في السلطة الجهوية أو المركزية. غير أن بعض الاستثناءات قد تحصل و لا تحترم هذه الشروط. فالهذيلي دردور الفائز بمشيخة الجرابعة/أولاد محمد سنة 1923 قد ترشّح في قائمة ضمّت 5 متنافسين و هو ما يدلّ على أهمية الرهان. و قد توفّرت كلّ المقاييس من عدد الضامنين و قيمة ممتلكاتهم و الانتماء العائلي في كلّ من محمد بن علي الأكحل و الهذيلي قريد إلا أن الأمر حُسم  لمرشح آخر هو الهذيلي دردور الذي كان عدد الضامنين فيه 11 و قيمة أملاكه 1206000 فرنك و الذي لم يكن الأكثر حظا للحصول على الخطة.[54] إن أهمية الثروة و الانتماء العائلي لفئة الأعيان لم تكن في هذه الوضعية من المقاييس الرئيسية و المحدّدة. فالهذيلي دردور شخص متعلّم و أكمل الخدمة العسكرية في الترايور الرابع التونسي، و بعد خروجه من الجندية سنة 1910 عُيّن حارس غابة بالكاف ثم استقال و فتح مقهى عربي بالقلعة ثم محلّ حلاقة. و أثناء الحرب العالمية الأولى قاتل في صفوف الجيش الفرنسي بين أوت 1914 و أفريل 1920 و قد عُرف بعدم انتمائه السياسي و حبّه لفرنسا مع معاداته للدستوريين.[55]

و الحقيقة أن فوز الهذيلي دردور بخطة مشيخة الجرابعة/أولاد محمد يعود إلى الدعم الكبير الذي وجده من قبل الطاهر بن لطيفة خليفة القلعة الكبرى بحكم انتماء الهذيلي دردور إلى حومة أولاد محمد، هذا إلى جانب انتمائه إلى زاوية سيدي دردور التي سيصبح شيخا عليها سنة 1954، إضافة أيضا إلى حذقه اللغة الفرنسية و المساندة الكبيرة التي وجدها لدى المراقب المدني و لدى السلط الأمنية و العسكرية الفرنسية بالجهة.

إن ما يمكن أن نستنتجه من خلال ما ذكر هو أن الطريقة الجديدة لانتخاب الشيخ لم تضع حدا لهيمنة الأعيان و الأثرياء على الخطة. فباستثناء الهذيلي دردور، انتمى كل الشيوخ الذين تداولوا على مشايخ القلعة بين 1907 و 1957 إلى العائلات الغنية و المتنفذة من ملاكي الزياتين والمعاصر و من الأسر المتعلّمة التي كان بعض أفرادها  قضاة أو عدول. و هو ما يفسّر مطالبة بعض الشرائح الشعبية من سكان الزعارنة بالقلعة الكبرى المقيم العام بتطبيق طريقة تعيين الشيخ بواسطة الانتخاب المباشر مثلما يقع تطبيقه في فرنسا.[56]

إن كثرة الشكايات المرسلة إلى السلط الجهوية أو إلى الباي و المقيم العام عند تعيين كل شيخ جديد و مطالبة بعض شرائح من السكان بتغيير طريقة الانتخاب المطبقة منذ سنة 1905 كلها أدلّة قاطعة على استمرار انقسام أهالي المشيخة الواحدة. إذ لم تضع الطريقة الجديدة حدّا لهذا الانقسام بل عمّقته لأنها دعّمت مقاييس الثروة و الانتماء العائلي في اختيار المترشّح و أغلقت الأبواب أمام المترشحين الذين تتوفّر فيهم شروط أخرى غير اقتصادية و اجتماعية و ينتمون إلى فئات غير محظوظة.

كما لم تضع طريقة الاختيار الجديدة للمشايخ حدا لانقسام أهالي المشيخة الواحدة و لتنازعهم، إذ كثيرا ما يكون تعيين الشيخ الجديد مصدرا لانقسامهم و لاندلاع نزاعات بين فريقين أو أكثر. ففي سنة 1924، لم يحظ فوز الهذيلي دردور بقبول جميع سكان مشيخته حيث تعدّدت الشكاوي. إذ يرى فريق منهم أن تعيين الهذيلي دردور لم يكن على استحقاق: “قدّم نفسه للمشيخة فضوليا من غير استحقاق لكونه عسكريا… و هم لا يرضون به حيث أنه … لا أخلاق له لهاته الوظيفة من حيث سوابقه”.[57] في حين بعث فريق آخر مناصر له برسالة تؤيّده و تبرز خصاله:” أن المترشّح المذكور هو أهلا للوظيفة المذكورة بل الوظيفة أهلا له… لما اختصّ به من محاسن الأخلاق و قدرته على مباشرة الوظيفة المذكورة”.[58] و لم يقتصر هذا الانقسام الظاهر في صفوف سكان مشايخ القلعة الكبرى على الجرابعة و أولاد محمد فقط بل نجده أيضا في مشيخة الزعارنة. ففي شهر سبتمبر 1912 و بعد اختيار محمد دودش شيخا على الزعارنة انقسم أهالي المشيخة المذكورة إلى ثلاث فرق: فريق يؤيّده و فريق ثان يؤيّد المترشح الثاني زايد بن مبروك بن سعد الذين يرونه المترشح الأنسب باعتباره “… من طلبة الجامع الأعظم و من المحصّلين على عدة شهادات و من الثقاة و أصحاب الفقه… و مال لانتخابه جميع الأهالي و الأعيان…” في حين أن المترشّح الثاني الفائز بالمشيخة “… هو فقير لا يكسب شيئا و سيرته رديئة جدا … و لا يصلح أن يكون شيخا علينا…”[59] في حين انبرى الفريق الثالث إلى مناصرة المترشح الثالث الذي رفض القايد ترشّحه و هو الحاج علي بوقطاية معبّرين عن رفضهم قبول محمد دودش شيخا عليهم و مطالبين بإعادة الانتخاب و أن يكون الحاج علي بوقطاية من جملة ما يقع انتخابهم.[60] و لقد استمرّ هذا الانقسام داخل المشيخة عند تجديد انتخاب الشيخ سنة 1921، إذ لم يحصل تعيين أحمد بن حسين في الخطة المذكورة على رضا كامل السكان بل لقد أثار ترشّحه احتجاجات عديدة وصلت إلى الوزارة الكبرى[61] و ذلك قبل تعيينه بصفة رسمية يوم 28 جويلية 1921. و أثتاء إيقافه و التحقيق معه سنة 1937 وجد الشيخ احمد بن حسين مساندة من قسم من الأهالي الذين بعثوا رسالة مساندة له إلى السلط المعنية.[62] كما أدلى العديد من الأعيان من عدول اشهاد و رجال شرطة و ضباط متقاعدين و وكلاء محاكم بشهادات لفائدته. في حين كانت الشكاوي و العرائض الموجّهة ضدّه بالعشرات حول التجاوزات المتعددة.

و سيتجدّد هذا الانقسام داخل جماعة الزعارنة سنة 1945 أثناء اختيار الطاهر بلعيد شيخا على الزعارنة الشرقية أو أثناء اختيار زايد بن مبروك بن سعد شيخا على الزعارنة الغربية في أواخر سنة 1939.

و خلاصة القول أن التغييرات التي أحدثتها الإدارة الاستعمارية على مستوى سلك المشايخ و خصوصا فرضها الطريقة الجديدة في اختيارهم لم تضع حدا لهيمنة الأعيان و الأثرياء على هذه المؤسّسة و لم تحدّ من تجاوزات المشايخ و تعسّفهم و بالتالي لم تكن قادرة على إيقاف سيل الشكايات و الاحتجاجات الصادرة عن أهالي المشايخ. و لكنها في المقابل قد قوّت ارتباط هذه المؤسسة ببقية السلط الجهوية و المركزية و حوّلتها من مؤسسة محلية تقليدية إلى مؤسسة قاعدية تمثل قلب الرحى للنظام الاستعماري الفرنسي بتونس يستخدمها حيث ما شاء.

.4. خطة المشيخة بالقلعة الكبرى: التجاوزات و المخاطر

أ – التجاوزات و تهم الفساد

تمثل الشكاوي و العرائض المرسلة للسلط الجهوية و المركزية القسم الأكبر من الوثائق التي تتضمّنها الملفات الادارية للمشايخ. و تكون هذه الشكاوي إما فردية أو في شكل عرائض احتجاج جماعية ممضاة من طرف قسم من السكان  تعرض قضايا و تصف تجاوزات المشايخ لصلاحياتهم و إخلالهم بالخدمة و فسادهم. و انطلاقا من العديد من الشكاوي حاولنا تلخيص أبرز تهم الفساد و الإخلال بالخدمة المتهم بها بعض مشايخ القلعة في النقاط التالية:

– سوء السيرة ومخالطة الأشرار و ذوي السوابق و التورّط في عمليات السرقة و أخذ البشارة و الاستيلاء على أموال الغير.[63] و كانت هذه التهم كثيرا ما ترد في العرائض و الشكاوي الجماعية لتعبّر عن رفض قسم من الأهالي للشيخ المعيّن و عدم رضاهم به و تكون أحيانا كيدية ملفقة و غير ثابتة.[64] و مثّلت هذه التهم إحدى أسباب إيقاف أحد الشيوخ و عزله.

– التعسّف و الجور في جمع الضرائب و المتاجرة بأموال الدولة و ممارسة المضاربة غير القانونية للزيوت و القموح و الاستحواذ على مستحقات حراس الغابة، و هي تهم كان وُجّه بعضها إلى شيخ الزعارنة محمد دودش سنة 1917 و لكن المراقب المدني بسوسة برّأه منها لعدم ثبوت الأدلة الكافية و عدم ظهور علامات الاثراء على الشيخ المذكور.[65]

– الارتشاء و محاباة الأهل و الأصدقاء، كإعطاء الأولوية للأقارب في تسليف البذور التي توفّرها الدولة، أو إعفاء البعض من دفع الضرائب، أو إخفاء بعض الشبان من الخدمة العسكرية مقابل الحصول على مبالغ مالية و تسليم شهادات لغير مستحقيها مثل شهادات الفقر للاستظهار بها في المستشفى المدني بسوسة. فلقد أوردت مراسلة المراقب المدني بتاريخ 5 نوفمبر 1924 و الموجّهة إلى المقيم العام الفرنسي أن تجار الزيوت و الحبوب بالقلعة الكبرى يشكون من ممارسة شيخهم للمضاربة غير القانونية للزيوت و الحبوب و هو ما أضرّ بمصالحهم إضافة إلى إعطائه الأولوية للأقارب في تسليف البذور.[66] كما تجدر الإشارة إلى أن عملية عزل شيخ الزعارنة الشرقية من خطته سنة 1942 تعود بعض أسبابها إلى اتهام كاهية القلعة له في جويلية 1940 بتسريح بعض الجنود من الخدمة بتدليس شهادات ولادات أبنائهم[67]. لقد طالت هذه التهم أيضا شيخ الجرابعة/أولاد محمد الذي اتهم سنة 1930 بتسليم شهادات لغير مستحقيها و تعمّد إخفاء أنفار من أداء الاستيطان و قد وبّخه عامل سوسة على ذلك.[68] كما تورّط سنة 1934 في نازلة إخفاء حقيقة وضعية مجنّدين اثنين أعفيا من الخدمة و لقد طالبت الإدارة المركزية للجيوش بتونس بمعاقبته.[69]

– تهم بالانتماء السياسي للحزب الدستوري القديم أو الجديد، من ذلك اتهام أحمد بن حسين شيخ الزعارنة بمساعدة الدستوريين ماليا و أنه من أنصار الثعالبي إلى حدّ أنه سُمي أحمد الثعالبي، سيما و أن إخوته الأربعة، حسب عريضة شكاية قسم من سكان الزعارنة بتاريخ 7 جوان 1938، ينتمون إلى الدائرة الدستورية بالقلعة الكبرى.[70] و قد بيّن التحقيق الذي أجرته المراقبة المدنية فيما بعد بطلان هذه “التهمة” و أن الشيخ المذكور قد ساعد الحكومة كثيرا إبان أحداث أفريل 1938.[71]

كانت كل هذه الشكاوي و العرائض، بما تحمله من تهم أحيانا تكون كيدية و باطلة، ترسل إلى السلط الجهوية و أيضا إلى الوزير الأكبر و المقيم العام و الكاتب العام للحكومة و مدير إدارة الأمن. و كانت هذه السلط تنظر فيها و تفتح تحقيقا للتثبت من صحة أو بطلان التهم. فإن ثبت صحة التّهم الموجّهة للشيخ، تقرّر في هذه الحالة إيقاف الشيخ المعني بالأمر بعد إنذاره و توبيخه، و إن تمادى في أفعاله و استمرّ تهاطل الشكاوي تقرر عندئذ إيقاف الشيخ أو عزله من خطته مثلما حصل لأربعة مشايخ من القلعة خلال الفترة الاستعمارية.

.ب. الإعفاء أم العزل

لا يُتخذ قرار العزل أو الإعفاء إلا بعد فحص و تمحيص للملفات و إنذار الشيخ المعني بالأمر مرارا. فقلد اتخذ قرار عزل شيخ الزعارنة محمد دودش سنة 1921 اثر ما لوحظ عليه من تهاون و إخلال بالخطة خصوصا لتهاونه في التعامل مع قضية الاعتداء بالعنف التي تعرّض لها أعوان من الجندرمة في طريق سيدي بوعلي. أما الشيخ احمد بن حسين فقد أُنذر أولا ثم وبّخ توبيخا شديدا في العديد من المرات و أوقف أشهرا عن العمل سنة 1937 ثم اُعيد إلى خطته سنة 1939 كشيخ على الزعارنة الشرقية ثم صدر قرار عزله من خطته بمعروض وزاري صدر بتاريخ 18 مارس 1942. في حين تمّ عزل عبدالرحمان بن عبد السلام مباشرة في ماي 1944 اثر ثبوت التهمة عليه بالاعتداء بالعنف الشديد على كاتبه و معاونه أمام العموم في السوق ثم سجنه له.

أما إعفاء كل من محمد الزرقاطي و محمد بن حسن خليفة سنة 1907 مع تقليدهما لنشان الافتخار مراعاة لطول مدة خدمتهما بتعلّة التهاون و كبر السنّ فلم يكن ذلك سوى طريقة لتطبيق القانون الجديد الصادر سنة 1905 و المتعلق باختيار المشايخ.

و بعد الاستقلال و في إطار تصفية الهياكل التقليدية و المرتبطة بالاستعمار صدرت قرارات إعفاء  لمشايخ التراب بالقلعة الكبرى في منتصف شهر اكتوبر 1957.

الخاتمة

لم تكن مشايخ التراب بالقلعة الكبرى معزولة عما حدث لمؤسّسة المشيخة بالبلاد التونسية من تطورات خلال الفترة الاستعمارية، لاسيما منها التخلّي عن طريقة الاتفاق في اختيار المشايخ و تطبيق الطريقة الجديدة المنصوص عليها في الأمر العلي الصادر في جانفي 1905.

و لئن حافظت هذه المشايخ على ذاتيتها طوال فترات طويلة فإنها شهدت خلال الفترة الاستعمارية تغيّرات هامة حصلت لها على مستوى تقسيمها الترابي الذي راوح بين التقلّص في العدد و الزيادة فيه بإعادة تقسيم تراب المشايخ في نهاية الثلاثينات من القرن الماضي.        و يبدو أن هذه التغييرات على مستوى التقسيم الترابي لم تكن منعزلة عن الديناميكية الديموغرافية و الاقتصادية و التحولات الاجتماعية التي أصبحت تشهدها القلعة خلال الحقبة الاستعمارية.

و لقد ساهمت هذه الديناميكية المذكورة إضافة إلى إحداث المجلس البلدي و مركز الأمن في تقلّص مهام مشايخ التراب و خضوعهم تدريجيا للمراقبة المباشرة للكاهية و للقايد و للمراقب المدني  و للسلط الأمنية و العسكرية الجهوية. و كبقية المؤسسات التقليدية تحولت هذه المؤسسة إلى أداة تنفيذ و مراقبة في أيدي المراقب المدني الفرنسي.

كما أنه رغم تطبيق الطريقة الجديدة في تعيين المشايخ فقد استمرّ اختيارهم يتمّ من بين الأعيان و المتنفّذين، و لم تضع هذه الطريقة حدا لانقسام سكان المشيخة الواحدة أثناء اختيار شيخهم، كما لم توقف التجاوزات التي عُرف بها هؤلاء المشايخ عبر السنين، و بالتالي استمرار الشكايات و العرائض و النزاعات داخل المشيخة الواحدة. لذا لا يمكننا التعجّب من بروز مطالبة من قبل سكان المشايخ تدعو إلى الانتخاب المباشر و الحرّ للمشايخ، و نشأة حركة مطلبية نقابية لسلك المشايخ في بداية الخمسينات من القرن الماضي خصوصا في المناطق الحضرية تدعو إلى مراجعة طريقة اختيار المشايخ و اشتراط الشهادات العلمية على المترشح و تحديد صلاحيات المشايخ و تحسين ظروف عملهم و ضمان جراية قارة و محترمة لهم.

المراجع


[1] انظر جمال بن طاهر، “المشايخ بالبلاد التونسية في العصر الحديث بين التأثّل و الارتزاق”، في المغيّبون في تاريخ تونس الاجتماعي (اشراف الهادي التيمومي)، بيت الحكمة، قرطاج،  1999، ص ص 143-182.

[2] ينظر في المسائل العرفية.

[3] شيخ لقسم من القبيلة.

[4] مثل شيخ الأندلسيين.

[5] إلى جانب مقال جمال بن طاهر المذكور أعلاه نشير إلى البحوث و المقالات المنشورة التي تناولت بالدرس مؤسّسة الشيخ،           و أبرزها دراسة بشير التكاري بالفرنسية من الشيخ إلى العمدة:

Bechir TEKARI, Du cheikh à l’Omda – Institution locale traditionnelle et intégration partisane, Faculté de droit et des sciences juridiques, Tunis, 1981, 97 pages.

و أيضا دراسة كل من سامية الجندوبي: مشائخ العروش في المناطق الريفية الممتدة شمالي وادي مجردة 1850/1914، شهادة الكفاءة في البحث تحت اشراف محمد الهادي الشريف، كلية العلوم الانسانية و الاجتماعية بتونس، 1990. و دراسة خليفة الميلي بعنوان: مؤسّسة المشيخة بين الاستمرارية و التغيير، شهادة الكفاءة في البحث، كلية العلوم الانسانية و الاجتماعية بتونس، 1993. و مقال حافظ بن عمر بعنوان “مؤسّسة المشيخة من ديمقراطية القبيلة إلى بيروقراطية الدولة” و المنشور بالمجلة التاريخية المغاربية عدد 102 و 103، مارس 2001، ص 231-249. كما تجدر الإشارة إلى أن الباحثة ليلي بن عبد العزيز هي الآن في طور إعداد أطروحة دكتوراه في التاريخ حول مشايخ التراب بالساحل التونسي خلال الفترة الاستعمارية.

[6] اطلعنا أثناء إعداد هذه الدراسة على أعمال الندوة العلمية الأولى حول: القلعة الكبرى تاريخ و تراث و خاصة على دراسة كل من الحبيب بلعيد، “التطور العمراني و البشري لمدينة القلعة الكبرى خلال الفترة الحديثة و المعاصرة”، ص ص 91-112؛ و دراسة علي اللطيف: “مصادر تاريخ القلعة الكبرى خلال الفترة الاستعمارية”، ص ص 115-135. علما و أن علي اللطيف قد أفرد فصلا في أطروحته للحديث عن مؤسسة الخليفة و الشيخ بالقلعة الكبرى و أكودة، راجع كتابه المنشور بعنوان: الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية بظهير سوسة ما بين الحربين : القلعة الكبرى و أكودة نموذجا، ج 2، منشورات المعهد العالي لتاريخ الحركة الوطنية، تونس، 2011.

[7] أ.و.ت.، دفتر عدد 3967 و الملحق عدد1.

[8] أ.و.ت.، سلسلة A  ، صندوق 166، ملفات 7 و 56 و 57.

[9] أ.و.ت.، دفتر رقم 925، إحصاء سكان عمل سوسة.

[10] أ.و.ت.، سلسلة A ، صندوق 166، ملف 2.

[11] علي اللطيف، الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية بظهير سوسة…مرجع سابق، ج 2، ص 245.

[12] ا.و.ت، سلسلة A، صندوق 166، ملف 2/1 مشيخة الجرابة 1886-1896.

[13] المصدر نفسه، مشيخة الجرابة، من مراسلة محمد المؤدّب الوكيل بأقسام الوزارة إلى الوزير الاكبر بتاريخ جمادي الثانية 1313هـ/ 1896

[14] المصدر نفسه، مشيخة الجرابة، مراسلة عامل سوسة إلى الوزير الأكبر بتاريخ 24 جويلية 1895.

[15] المصدر نفسه، مشيخة الجرابة، مراسلة عامل سوسة.

[16] علي اللطيف، الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية بظهير سوسة… مرجع سابق، ص 245

[17] أ.و.ت، سلسلة A، صندوق 166، ملف 2، مراسلة عامل سوسة إلى الوزير الأكبر

[18] ذكره علي اللطيف، الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية بظهير سوسة… مرجع سابق، ص 249.

[19]  Annuaire statistique de la Tunisie, 1947.

[20] أ.و.ت.، السلسلة د، ملف رقم 68، الملف الفرعي 45، ذكرها الحبيب بلعيد، “التطور العمراني و البشري لمدينة القلعة الكبرى خلال الفترة الحديثة و المعاصرة” منشور ضمن أعمال الندوة العلمية الأولى حول القلعة الكبرى تاريخ و تراث، أفريل 2013، ص 96.

[21] أ.و.ت، سلسلة A، صندوق 166، ملف 57/2 مراسلة مؤرخة في 26 سبتمبر 1939 من الهذيلي دردور إلى عامل سوسة.

[22] أ.و.ت، سلسلة A، صندوق 166، ملف 57/2، مراسلة عامل سوسة إلى الوزير الأكبر بتاريخ 5 مارس 1940.

[23] أ.و.ت، سلسلة A، صندوق 166، ملف 7/4، وثيقة عدد 344.

[24] المصدر نفسه، مراسلة المراقب المدني بسوسة إلى المقيم العام بتاريخ 9 مارس 1939.

[25] حول موضوع الأصول الاثنية لسكان القلعة الكبرى انظر الدراسة القيّمة للأستاذ أحمد الباهي بعنوان:” قلعة الزعارنة او القلعة الكبيرة في العهد الحفصي من خلال اجوبة أبي القاسم عظوم” و المنشورة في أعمال الندوة العلمية الأولى حول القلعة الكبرى تاريخ و تراث، أفريل 2013، ص ص54-68.

[26] على غرار أحمد الباهي، بيّن بن عجمية في دراسة له منشورة بالكراسات التونسية منذ سنة 1964 ان سكان القلعة الكبرى ينحدرون من أصل واحد هو قبيلة لواتة البربرية و يرى بن عجمية أن تقسيم المشايخ بالقلعة الكبرى هو تقسيم إداري بحت و ليس له أي مدلول عروشي. راجع دراسته المذكورة:

BEN AJMIA, “Structure des villages et origine de leur population dans le Sahel septentrional”, Les Cahiers de Tunisie, n° 47-48; 3e et 4e trimestre 1964, p. 107.

[27] علي اللطيف، الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية بظهير سوسة… ، مرجع سابق، ص ص 55 –  57.

[28] حافظ بن عمر، “مؤسّسة المشيخة من ديمقراطية القبيلة إلى بيروقراطية الدولة”، المجلة التاريخية المغاربية عدد 102 و 103، مارس 2001، ص 241.

[29]  B. TEKARI, Du Cheikh à l’Omda… op. cit., p 25 et 52.

[30] أ. و. ت.، السلسلة ج، صندوق 3، ملف 13، معروض وزاري حول الطريقة الانتخابية الجديدة للشيوخ في 31 جانفي 1905.

[31] المصدر نفسه.

[32] حافظ بن عمر، “مؤسّسة المشيخة… مرجع سابق، ص237.

[33]  B. TEKARI, Du Cheikh à l’Omda… op. cit., pp. 77-79.

هذا التحوير لا يمس في واقع الحال مشايخ القلعة الكبرى التي توجد داخل المحيط البلدي.

[34] أ.و.ت.، السلسلة A، صندوق 201، ملف 1 (1951-1953)، وثيقة عدد 9 تقرير الجامعة العامة لمشائخ التراب بالقطر التونسي.

[35] علي اللطيف، الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية بظهير سوسة… ، ج2، مرجع سابق، ص 238.

[36] B. TEKARI, Du Cheikh à l’Omda… op. cit., pp. 44-45.

[37] علي اللطيف، الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية بظهير سوسة…مرجع سابق ، ً 237.

[38] من القضايا الرئيسية المطروحة في  مراسلات القياد تقييم مدى خدمة الشيخ للدولة و نجاعته في استخلاص الضرائب.

[39] تابعة للاتحاد العام التونسي للشغل.

[40] أ.و.ت.، السلسلة A، صندوق 201، ملف 1 (1951-1953)، رسالة من رئيس ودادية مشايخ التراب موجهة إلى وزير الدولة محمود الماطري بتاريخ 18 افريل 1951.

[41] أ.و.ت.، السلسلة A، صندوق 201، ملف 1 (1951-1953)، وثيقة عدد 9 تقرير الجامعة العامة لمشائخ التراب بالقطر التونسي.

[42] أ.و.ت.، السلسلة A، صندوق 166، ملف 7/1، وثيقة عدد 2.

[43] المصدر نفسه، ملف 7/2، وثائق 1-7 لشهر اكتوبر 1907.

[44] المصدر نفسه، ملف 7/3، وثيقة عدد 16 مراسلة مؤرخة في 22/10/1912.

[45] المصدر نفسه، ملف 7/4، وثيقة عدد 14.

[46] المصدر نفسهن ملف 7/4، وثيقة عدد 13.

[47] المصدر نفسه، مللف 7/4، الوثيقة عدد 24 تلغرام من المقيم العام بتاريخ 17 جوان 1921.

[48] تتركب هذه المكاسب من 200 اصول زيتون و 20 شاة و 10 خيول و 3 بغال و 6 رؤوس من البقر.

[49] أ.و.ت.، سلسلة A صندوق 166، ملف 7/5، وثيقة عدد3.

[50] المصدر نفسه، ملف 7/6، وثيقة عدد 14.

[51] المصدر نفسه، وثيقة عدد 27.

[52] المصدر نفسه، وثيقة عدد 27.

[53] المصدر نفسه، جريدة ضمان الطاهر بلعيد.

[54] علي اللطيف، الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية بظهير سوسة… ، ج2، مرجع سابق، ص ص 244-245.

[55] أ.و.ت.، سلسلة A  صندوق 166، ملف 57/2، وثيقة عدد 87، إعلام حول شخص الهذيلي دردور مؤرّخ في 3 مارس 1936.

[56] المصدر نفسه، ملف 7/4، شكاية قسم من سكان الزعارنة بشيخهم أحمد بن حسين مرسلة إلى المقيم العام الفرنسي بتاريخ 10 اوت 1936.

[57] المصدر نفسه، ملف 57/2، شكاية مؤرّخة في 12/9/1924 مرسلة إلى مدير الداخلية.

[58] المصدر نفسه، وثيقة عدد 28، عريضة مساندة للهذيلي دردور مرسلة إلى مدير الداخلية بتاريخ 18 سبتمبر 1924.

[59] المصدر نفسه، صندوق 166، ملف 7/3، وثيقة عدد 8 و هي عريضة ممضاة من قبل 61 نفر من عرش الزعارنة واصلة إلى الوزارة الكبرى بتاريخ 15 سبتمبر 1912.

[60] المصدر نفسه، وثيقة عدد 6 و هي عريضة ممضاة من 45 فرد من عرش الزعارنة مرسلة إلى الوزير الأكبر بتاريخ 1 سبتمبر 1912.

[61] المصدر نفسه، انظر الوثائق عدد 32 و 36 و 58.

[62] المصدر نفسه، ملف 7/4، وثيقة عدد 207.

[63] أ.و.ت، السلسلة A صندوق 166، ملف 7/4، وثيقة عدد 233 و هي مراسلة من المراقب المدني في سوسة إلى المقيم العام حول قضية شيخ الزعارنة بتاريخ 10 نوفمبر 1937. يؤكّد المراقب المدني في تقريره المرسل صحة الاتهامات الموجهة للشيخ المذكور. فعديد الشهّاد اكّدوا أنه يأخذ البشارة و يدعم اللصوص و يفضّل أقاربه و أصدقائه عند توزيع البذور … و أنه يتبجّج أن ثروته تمكّنه من شراء الذمم من أجل البقاء في المشيخة… لذا يقترح المراقب المدني عزله من خطته و تقديمه للقضاء.

[64] المصدر نفسه، ملف 7/2، انظر شكاية من عرش الزعارنة موجهة إلى الوزير الأكبر بتاريخ 14 نوفمبر 1908 بدون إمضاءات تعدّد تجاوزات شيخهم عمر دودش، ثم ردّ عامل سوسة محمد البشير صفر بتاريخ 23 ديسمبر 1908 و الذي يبرّأ فيه الشيخ من كلّ ما  نُسب إليه

[65] المصدر نفسه، ملف 7/3، مراسلة المراقب المدني بسوسة بتاريخ 4 أفريل 1917 إلى المقيم العام الفرنسي.

[66] المصدر نفسه، ملف7/4، وثيقة عدد 47، مراسلة من المراقب المدني إلى المقيم العام بتاريخ 5 نوفمبر 1924.

[67] المصدر نفسه، وثيقة عدد 348، مراسلة كاهية القلعة الكبرى بتاريخ 9 جويلية 1940.

[68] المصدر نفسهأ ملف 57/2، وثيقة عدد 55، مراسلة من عامل سوسة إلى الوزير الأكبر خليل بوحاجب بتاريخ 24 اكتوبر 1930.

[69] المصدر نفسه، وثائق 67-74 بتاريخ جويلية 1934.

[70] المصدر نفسه، ملف 7/4، وثيقة عدد 281 و هي عريضة من أهالي القلعة بتاريخ 7 جوان 1938 يحتجون فيها على قرار إرجاع الشيخ الموقوف

[71] المصدر نفسه، وثيقة رقم 157 و هي مراسلة من المراقب المدني إلى المقيم العام الفرنسي يبرّأ فيها أحمد بن حسين مما نسب إليه من تهم و يؤكّد فيها ان هذا الأخير يعتبر عدوّا للدستوريين و شيخا نشيطا.

Share This:

Leave a Reply