أفلا يتدبّرون القرآن

أفلا يتدبّرون القرآن

 

 عمر عبد الباري

لا يكاد يمرّ يوم تقريبا دون أن تقرأ أو تسمع بأنّ رجال الأمن أوقفوا واحدا أو جماعة ممن يسمّونهم بالتّكفيريين. و التّكفيريون ناس من عباد الله يعتقدون حسب دعواهم بأنّ غيرهم من بني خلق الله ليسوا مسلمين و لو كانوا من بني وطنهم و من ملّتهم-و لذلك هم يسمّون أيضا بالمتشدّدين و لا يؤمنون بسلطة الحاكم و يطلقون إسم” الطّاغوت” على رجال الأمن و الجيش و كأنّهم فراعنة.جرّني هذا التصرّف الغريب إلى الرّجوع إلى كتاب اللّه الذي هو ا
لمرجع الوحيد لتبيان أنّ تصرّف هؤلاء النّاس بعيد عن الإسلام الحقّ و أنّ هؤلاء التّكفيريين و المتشدّدين لا علاقة لهم لا من قريب و لا من بعيد بدين الإسلام السّمح المتفتّح الذي يدعو إلى الصّفاء و الأخوّة و المحبّة.

هؤلاء التكّفيريون يصل بهم الاعتقاد الخاطئ إلى قتل غيرهم و حرقهم و قطع رؤوسهم لأنّهم كفّار،و الكافر هو من لا يؤمن باللّه-هكذا سبحان اللّه و إذا سألتهم كيف يقولون هذا الكلام و يعتقدون هذا الاعتقاد الرّذيل يجيبون بأنّ المجتمع الذين يعيشون فيه مجتمع كافر و لا يطبّق الشّريعة و لذلك هم متشبّثون بالإنتماء إلى الحركات المتطرّفة.أقول في نفسي بتحسّر:هل قرأ هؤلاء النّاس القرآن ؟و يقيني أنّهم لم يعرفوا كتاب الله أصلا و لم يتدبّروا معانيه و لم يتمعّنوا في آياته.و إلاّ كيف يبيحون لأنفسهم زرع الشّكوك في قلوب المؤمنين الموحّدين و الإعتداء بالسبّ و العنف و القتل على الرّجال الذين يسهرون على حماية الأرواح و الدّفاع عن الوطن؟

رجعت إلى كتاب الله إذن و قرأته سورة سورة و آية آية و استخلصت من مبادئه السّمحة وهداياته البيّنة ما به تطمئنّ القلوب.كيف يسمح إنسان يعتبر مسلما بتكفير أخيه المسلم و الله سبحانه و تعالى يقول:

-إنّك لاتهدي من أحببت و لكنّ اللّه يهدي من يشاء(القصص 56)

-لا إكراه في الدّين(البقرة256)

–  عليك هداهم و لكنّ الله يهدي من يشاء(البقرة 272)

– من يشإ الله يضلله و من يشأ يجعله على صراط مستقيم(الأنعام)

– ذلك هدى اللّه يهدي به من يشاء من عباده(الأنعام 88)

-و قل الحقّ من ربّكم فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر(الكهف29)

-و إنّما عليك البلاغ و علينا الحساب(الرعد41)

-و لو شاء الله لجعلكم أمّة واحدة و لكن يضلّ من يشاء و يهدي من يشاء(النّحل 93)

ويقول سبحانه وهو الحق في نفس هذا السّياق :

– من اهتدى فإنّما يهتدي لنفسه ومن ضلّ فإنّما يضلّ عليها (الإسراء 15)

– إنّا أنزلنا عليك الكتاب للنّاس بالحقّ فمن اهتدى فلنفسه ومن ضلّ فإنّما يضلّ عليها وما أنت عليهم بوكيل (الزّمر 41)

– كذلك يضلّ اللّه من يشاء ويهدي من يشاء (المدّثر 31)

– إنّا هديناه السّبيل إمّا شاكرا وإمّا كفورا (الإنسان 3)

فهل قرأ التكفيريّون هذه الآيات ؟ أو هم لم يسمعوا بها تماما؟

وقد يكون السّؤال الثّاني هو الأقرب لأنّ هذا الرّهط من النّاس الذين نراهم يكفّرون الحكومات القائمة ويكفّرون رجال الأمن والجنود الأوفياء ويكفّرون أصحاب الرّأي والمجتهدين لا علاقة لهم بالدّين السّمح

ثمّ هم ينصّبون أنفسهم أوصياء عليه وليس لهم من زاد العلم إلاّ القشور ومن روح المعرفة إلّا الزبد وإنّ على قلوبهم أقفالا

هذا فيما يتعلّق بالهداية والضّلال.

أمّا فيما يخصّ الدّعوة إلى الحسنى وفعل الخير ونبذ العنف والظّلم فاللّه سبحانه وتعالى يقول:

– إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم و إن أسأتم فلها (الإسراء7)

-من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها (الأنعام160)

-و أحسنوا إنّ اللّه يحبّ المحسنين(البقرة 195)

-الذين أمنوا و لم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن و هم مهتدون (الأنعام  32)

-و لتكن منكم  أمة يدعون إلى الخير(أل عمران104)

-و من يعمل من الصّالحات من ذكر أو أنثى و هو مؤمن فأولئك يدخلون الجنّة (النّساء 124)

و أمّا فيما يتعلّق بنبذ الفرقة و الدّعوة إلى المحبّة و التّأخي ،فيقول جلّ و علا:

-و نزعنا ما في صدورهم من غلّ (الأعراف 43)

– فاتّقوا اللّه و أصلحوا ذات بينكم (الأنفال 1)

– و لا تنازعوا فتفشلوا و تذهب ريحكم (الأنفال46)

-و الله يدعو إلى دار السّلام (يونس 25)

– و لا تكونوا كالذين تفرّقوا و اختلفوا (أل عمران 105)

– و لقد صرفنا في هذا القرآن للنّاس من كلّ مثل و كان الإنسان أكثر شيئا جدلا (الكهف 54)

-و تعاونوا على البرّ و التّقوى و لا تعاونوا على الإثم و العدوان (المائدة 2)

– و اعتصموا بحبل الله جميعا و لا تفرّقوا (ال عمران103)

– و أخيرا يبسّط اللّه سبحانه يده لكلّ من زلّت به القدم أو أسرف على نفسه أو إرتكب ذنبا أو معصية مبشّرا جميعهم بالصّفح  و الغفران و الرّحمة،فلا يقنطنّ عبد من رحمة الله و إن عظمت ذنوبه و كثرت آثامه لأنّ باب الرّحمة و التّوبة واسع.و في هذا يقول جلّ شأنه:

– قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إنّ الله يغفر الذّنوب جميعا إنّه هو الغفور الرّحيم (الزّمر 53)

-و لا تيأسوا من روح الله (يوسف 87)

– و من يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثمّ يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما (النّساء110)

– إنّ الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء (النّساء 116)

هذا هو كتاب الله رحمة واسعة يذهب ما في القلوب من غلّ و ما في النّفوس من سوء و بؤس و هو شفاء للمريض بالحقد و البغض (و ننزّل من القرأن ما هو شفاء و رحمة للمؤمنين الإسراء 82)

فأين هؤلاء من كلّ هذا ؟أين هم من التّكفير و التشدّد و التعصّب و الإنغلاق و شيطنة النّاس؟أين هم من القرآن ؟ و أخيرا هذا قولي يتماهى مع قول الأستاذ الدّكتور:يوسف الصدّيق متسائلا:هل قرأنا القرآن؟

Share This:

Leave a Reply