القلعة الكبرى
الأستاذ أحمد الباهي
إن التعمق في تحليل موقع القلعة الكبرى ومحيطها ، يشير الى عدة ركائز و ميزات مكنت المدينة من استقطاب الجهة بدون منازع و أمنت نموا عمرانيا و معماريا متواصلين عبر القرون التي مرت بها نشأة المدينة و تجذرها و تطورها .
من العوامل والميزات التاريخية في نشأتها نشير إلى :
_ موقع شاهق منيع يؤمن الاستقرار والراحة .
_ محيط جغرافي شاسع يحد بالبحر شرقا ، و مشارف الوطن القبلي قبل نشأة النفيضة شمالا ، و الفحص و مشارف القيروان غربا و حيث يلتقي فضاء القلعة الكبرى بفضاء مدينة مساكن التي تعد توأمة القلعة الكبرى.
_ نشاط فلاحي متنوع و انتاج وافر يتلاءم مع السهول المجاورة ، مما يتطلب تأمينه و تسويقه في مركز عمراني آمن ومنيع و قريب من موقع الاستهلاك و التصدير المتمثل في المركز العمراني سوسة القديمة.
و اذا اعتمدنا هذه المقاربة في تركيز و نشأة القلعة الكبرى ، التي انطلقت منذ أكثر من أربعة قرون مضت (بناء الجامع الكبير منذ أكثر من ثلاثة قرون يمكننا التدرج في قراءة تاريخية للمراحل المعمارية والحضرية والحضارية لمركز القلعة الكبرى وذلك اعتمادا على التراث و الذاكرة الشعبية ).
مراحل نشأة المدينة:
ما قبل الاستعمار:
من المرجح أن نشأة القلعة الكبرى انطلقت بعد خمسة قرون (القرن العاشرالهجري) من استقطاب سوسة لكل الفضاء الساحلي و أصبحت قطب مجتمعيا يتميز بالترابط و التعامل و تبادل الخيرات و الانتاج من داخل البلاد و خارجها .
و بضرورة تأمين الامدادات المعيشية ، أمنت سوسة أحوازها وساعدت على بعث مراكز متقدمة للمراقبة و الانذار ثم للاعمار في أحواز سوسة ، و هذه المراكز تتمثل في شبه محصنات على قمم الهضاب المجاورة لسوسة ، و نذكر في هذا الموضوع القلعة الكبرى – القلعة الصغرى – تكرونة – أكودة …
كما أنه و على ضوء الحفريات التي سبقت عمليات تهذيب القلعة الكبرى ، نذكر أن المرتفع المعروف بالقصر الكبير هو نقطة الانطلاق في تركيز مدينة القلعة ، نقطة مرتفعة مؤهلة للمراقبة و الانذار . و كذلك وجود المكونات التقليدية في انتصاب المعمار و العمران وهي الأولياء الصالحين سيدي زايد و سيدي خديم الله و بهم مقابر و مسجد صلاة (و هو مركز ديني حسب التمشي التقليدي في تجميع العمران و مصلي المنطقة)، و من المؤكد كذلك سوق أسبوعية للتجمع و تبادل الانتاج . وكان المعمار في البداية له صورة تقليدية تتمثل في حفر الكهوف و الدهاليز للاستيطان و حفظ الانتاج . و تواصل هذا الاستيطان و المعمار على الهضاب المجاورة للمدينة ثم ترابط البناء ببعضه ، و أصبحت القلعة الكبرى مركزا عمرانيا و ركيزة في تحصين شمال سوسة و مدخلها من جهة تونس العاصمة . و تمكن الأهالي بحذقهم و مهارتهم من التحكم في الانحدارات و التضاريس و مواصلة المعمار بالحجارة و التربة و الأحطاب و كذلك حفر الدهاليز و المطمور لخزن الحبوب.
في عهد الاستعمار:
لم يطرأ تغيير في طريقة تنامي مدينة القلعة الكبرى ، حيث تواصل المعمار بصفة تقليدية و لفائدة العائلة المتعددة الأسر . هذا باستثناء أربعة مكونات هامة .
_ تطور القلعة الكبرى من منتج زيتون الى منتج زيت بتحويل الزيتون في معاصر تقليدية ثم تقنية “الصاري” بالمعاصر .
_بداية استتعمال و دمج البناء بالحديد المصنع ( ).
_ امتداد السكة الحديدية و تركيز محطة قطار .
_ ارتقاء القلعة الكبرى الى مكانة بلدية سنة 1921 و ادارتها ترجع الى القائد ( الأمر بتاريخ 29 ديسمبر 1934 حول البلديات ) مع الاشارة أن هذا التنظيم طرأ بعد الحرب العالمية الأولى و بعد الدفعة الأولى من البلديات سنة 1884 لمدن مراكز الولايات.
_ رغم تعدد التشريعات العامة في تنظيم سير المعمار في البلديات لم يطرأ شيئ على طريقة التوسع المعماري و عيش المواطنين بالمدينة الى حد انتهاء الحرب العالمية الثانية و وضع المستعمر برامج في اعادة البناء في فرنسا و مستعمراتها المتضررة.
بعد أن رجع السكان اليهود الذين احتضنتهم و أمنتهم القلعة الكبرى الى مقراتهم بسوسة و بالمنستير و المهدية . برزت بالقلعة الكبرى بعض مظاهر التحضر في سياق تعصير الحياة بسوسة و اعادة البناء من جراء الحرب، و تتمثل المظاهر في التنوير و الماء الصالح للشراب و المساعدة على بعث مؤسسات عمومية ( تعليم بالمكتب الفرنسي العربي – المستوصف) و تطوير وتحويل الانتاج و خزنه و تسويقه . كما أن مظاهر التحضربالقلعة برزت في الثقافة و العلم و الاقتصاد و ذلك بالروابط التي نسجت مع العاصمة (جامع الزيتونة) والقيروان والشمال الغربي ( زيت و حبوب و ماشية).
حقبة الاستقلال:
التنظيم الاداري و الترابي
على اثر الاستقلال تم اعادة هيكلة التنظيم الاداري و الترابي لمنطقة القلعة الكبرى حيث :
1_ تعيين معتمد خلفا للكاهية رشيد المرابط.
2_ تحديد الفضاء الترابي لمعتمدية القلعة في حدود البحر شرقا و النفيضة شمالا ( انفصل النشاط الفلاحي للقلعة من النفيضة ) و القلعة الصغرى غربا .
3_ تفعيل التشريع البلدي بتركيز مؤسسة بلدية منفصلة على المعتمدية
عمليات التحضر و الارتقاء بالمدينة : العشرينية الأولىI
مع الاستقلال انخرمت المنضومة الاقتصادية المرتكزة على الفلاحة بسبب صعوبة تسويق الانتاج و تقلص النشاط بانفصال القلعة على شمالها و غربها ( النفيضة و السبيخة و الفحص) . و اضطر السكان الى سد رمق العيش بالنشاط في الحظائر الريفية و الحضرية ، و بذلك يعثر و يتدنى النمو المعماري للمدينة بكثافة تقسيم المنازل القديمة ذات الملكية المشتركة ، وتدني المشهد الخصوصي و الحضاري للمدينة .
الا أن تفعيل المشاريع و التراتيب البلدية وفرت تحسينات في ظروف العيش.
_ التراتيب الصحية : في أوائل الستينات ، تم ربط الطرق الرئيسية بقنوات المياه المستعملة . و تزامن هذا النشاط بتنفيذ عمليات عمرانية منظمة عن طريق السلط العمومية و تدخل في نطاق (التعمير التداركي …)
_ تركيز مركزية اقتصادية و اجتماعية و ادارية في السوق و منطقة البطحة بعد اخلائها من مقبرة سيدي خديم الله .
_ بعث منطقة عمرانية بالحي الجديد.
_ دراسة و وضع مثال تهيئة عمرانية في اعادة هيكلة المدينة و استشراف توسعها.
تعثرالنمو المعماري من جديد في أواخر الستينات و تدنت ظروف المتساكنين من جراء النظام التعاضدي الذي عمق انفصال القلعة عن محيطها الاقتصادي التقليدي ومن ادارة ممتلكاتهم .
كما أن المدينة لم تشهد انتقالة معمارية نوعية لعدم انتفاعها بالحوافز المعلنة في الارتقاء بالمسكن (منحة المسكن – صندوق تحسين المسكن) مقابل ثورة معمارية شهدتها مثيلاتها : القلعة الصغرى – مساكن – قصر هلال و غيرها . و المعروف أن هذا الوضع يرجع الى أسباب مجتمعية و سياسية و عقارية.
مرت معتمدية القلعة الكبرى بتقلص متواصل لفضائها الترابي و الاقتصادي ، حيث تقسم فضاؤها ببعث ثلاث معتمديات انطلاقا من أواخر الستينات ( معتمديات أكودة و سيدي بو علي و هرقلة ) . أما الفضاء البلدي عاش فترة متميزة بديناميكية المعمار و الاقتصاد تعزى أساسا في اعادة هيكلة و تصور لبرالي للاقتصاد التونسي ، رافقه بعث مؤسسات و تشريعات تتلاءم مع هذا الخيار، و أهمها:
_ اعادة هيكلة المسح العقاري (ديوان قيس الأراضي)
_ قانون الاستثمار (وكالة التشجيع على الاستثمار)
_ قانون 1972 في الاستثمار الخارجي
_ بعث الوكالات العقارية في دفع المعمار
_ بعث وكالة التهذيب و التجديد العمراني
_ بعث ديوان التطهير
_ تعصير قانون التهيئة الترابية و العمرانية
و في سياق هذا التنظيم الحديث برزت بالقلعة الكبرى بعض مشاريع معمارية و اقتصادية نخص بالذكر :
_ مصانع التصدير في اطار قانون 1972
_ منطقة سكنية و صناعية و مشروع عقاري
_ اعادة هيكلة و تهذيب و تجديد وسط المدينة بباب الجامع و القصر و غرة جوان و تحويل صبغة مقبرة سيدي زايد . مع الاشارة أن هذا التنظيم حضي بدراسة أولية من طرف المهندس الرآسي التي لم يتم تنفيذها .
_ تحيين خريطة المدينة عن طريق ديوان قيس الأراضي و رسم الخرائط
_ اعادة أمثلة البنية التحتية الأساسية للمدينة ماء ، كهرباء، تطهير، طرقات، و اتصالات
_ تطوير منظومة الحيطة بالشباب من تربية و تكوين و رياضة و ثقافة
_ تركيز مستشفى محلي
_ و في نطاق برنامج التنمية الحضرية المندمجة قامت المندوبية العامة للتنمية الجهوية بمشروع تعبيد و تهيئة طرقات المدينة و بعث حي حرفي بتكلفة خمسة مليون دينار.
_ تنفيذ مشروع حماية المدينة من الفيضانات ( الوادان الكبير و الصغير)
الاستنتاجات:
عاشت مدينة القلعة الكبرى حركية عمرانية في الستينات و في آخر القرن . الا أن هذا المجهود الحضري المعماري لم يكن في مستوى تاريخ مدينة القلعة الكبرى و كان بحجم متواضع و متأخر و ليس حسب سياسة تنموية متكاملة و بخصوصيات المدينة ، و على سبيل المثال اشتهرت القلعة باستقطاب الفلاحة على فضاء شاسع ( نشاطها و نموها مرتبط عضويا و تاريخيا بهنشير النفيضة و سيسب و السبيخة و بتقلص حجم فضائها بما في ذلك الشريط البحري حيث تم فصل القلعة على شط مريم و الفقاعية و تأثر بذلك نشاطها و على نمو معماري و حضري منظم و مهيكل للمدينة مكانا و زمانا، حيث تواصل البناء الفوضوي و الأنشطة الاقتصادية المتدنية و احتدت الأوضاع العقارية و الاجتماعية
التحديات:
أهم التحديات التي تواجه تطلعات القلعة نخص بالذكر :
_ التحكم في التوسع العمراني الفوضوي
_ النهوض بظروف عيش متدنية
_ التحكم في النشاط الاقتصادي المهمش
_ الارتقاء بالقدرة التنافسية مع المدن المجاورة في جلب الاستثمار
_ الحد من تدني الخدمات الحضرية
_ الاسراع بالتحكم في الأوضاع العقارية
المقترحات:
من المقترحات في النهوض بالمدينة نخص بالذكر :
_ اعادة صياغة التاريخ الحقيقي للقلعة الكبرى
_ مصالحة الأهالي و خاصة الشباب مع مدينتهم و تاريخهم
_توسيع الاعلام حول تاريخ القلعة لفائدة الناشئة و مساعدتهم في تجذيرهم في تاريخهم و حضارتهم و زرع المحبة و الغيرة على المدينة
_ التحكم في الوضع العقاري بتدخل مندمج للوكالات العقارية.
اعادة النظر في التقسيم الترابي و دمج المدينة في المنظومة الاقتصادية السياحية
_ تعصيرالبنية الأساسية لتكون المدينة فضاء ربط بين مسالك الانتاج و الاستهلاك و التسويق و التصنيع
ملاحظات و تقييم:
.1. عمل لا يرتكز على أي مرجع أو مصدر توثيقي أو أثري فهو عبارة عن ملاحظات و تأملات بعيدة عن أصول الكتابة التاريخية…
.2. النص ورد في معظمه في شكل ملاحظات و رؤوس أقلام و لا يستجيب إلى شروط كتابة المقالة في التاريخ.
.3. العمل هو تلخيص موجز لأهم التحولات التي شهدتها القلعة الكبرى على المستوى الإداري و العمراني و لا يقدّم إضافة جديدة، كما ان صاحبه لم يحاول الاطلاع على بعض الدراسات المنشورة حول الموضوع و المتعلقة بالقلعة الكبرى و أهمها دراسة الأستاذ رضا لمين و عنواها:
Villes et Citadins du sahel Central, l’Or du Temps, 2001.
و تقييمي أن هذا العمل في حالته هذه غير قابل للنشر