
|
الموقع الأثري : بلاريجيا
أ.د محمّد الصغيّر قايد
|
الموقع الجغرافي
يقع الموقع الأثري بلاريجيا بالشمال الغربي التونسي وتحديدا بولاية جندوبة حيث يبعد عن مدينة جندوبة حوالي 7 كم و 74 كم على مدينة طبرقة عبر الطريق الوطنية عدد

الموقع الجغرافي للموقع الأثري بلاريجيا
تقع بلاريجيا بسفح جبل ربيعة المرتفع بنحو 649م، على منحدر ضعيف مشرف على سهل مجردة، وهي على الطريق العتيقة الواصلة بين قرطاج وعنّابة (هيبون) والموافقة للطريق العصرية المخترقة للموقع الأثري

مدخل الموقع المتواجد على سفح جبل ربيعة

خارطة المواقع والمعالم الأثرية بالجمهورية التونسية
أصل التسمية
بلاّ الملكية: تبدو التسمية مفخّمة بالنسبة إلى المكانة الحقيقية التي احتلتها هذه المدينة في التاريخ لكنّها مبرّرة لأنّ بلاّ ظلّت في القرن الثاني ق.م عاصمة لإمارة نوميديّة ناتجة عن ضمّ مملكة ماسينيسا، عدوّ الرومان اللدود، الذين هزموه في نهاية المطاف.
ولقد تأسّست بلاّ قبل تلك الفترة بكثير، كما تشهد بذلك أحجار المغليث والدّلمن المتناثرة في الموقع. كما تشهد بعض الآثار القليلة المنتمية إلى العهد البوني بتأثير العاصمة القرطاجيّة على نمط العيش لدى سكان نوميديّين في أغلبيتهم. لكنّ الاحتلال الرومانيّ هو الذي خلّف لنا أهمّ الآثار، التي تمتدّ اليوم على عشرات الهكتارات.
مكونات المدينة

خارطة أهم مكونات مدينة بلاريجيا
توجد في بلاّريجيا جميع مكوّنات المدينة الرومانية القديمة : معابد، فوروم، حمّامات عمومية، مسرح، الخ… بعض هذه المعالم – مثل الحمّامات المبنية في القرن الثاني – لها أحجام مهيبة.
وقبالة الموقع توجد مساحة للراحة وكنيف ومتحف صغير يحتوي على بعض اللقى التي عثر عليها في عين المكان ويلقي أضواء، بطريقة ذكيّة لبقة، على بعض الجوانب من الحضارة النوميديّة.
توجد في بلاّريجيا جميع مكوّنات المدينة الرومانية القديمة : معابد، فوروم، حمّامات عمومية، مسرح، الخ… بعض هذه المعالم – مثل الحمّامات المبنية في القرن الثاني – لها أحجام مهيبة.
وقبالة الموقع توجد مساحة للراحة وكنيف ومتحف صغير يحتوي على بعض اللقى التي عثر عليها في عين المكان ويلقي أضواء، بطريقة ذكيّة لبقة، على بعض الجوانب من الحضارة النوميديّة.
منظر عام للمدخل الرئيسي للمدينة و للحمامات العمومية بها
المنازل ذات الطابقين والمسرح ببلاريجيا
وإذا كانت جلّ تماثيل الآلهة أو أباطرة الرومان قد نُقلت مع أجمل اللوحات الفسيفسائية إلى متحف باردو، فإن الكشوف الجديدة أجلت لوحات أخرى تمثل الحياة اليومية والاقتصاديّة والدينية في المدينة قديما مع بعض التوابيت المزخرفة. ولا شكّ في أن أهم المعالم الدّالة على خصوصيّة المعمار في هذه الناحية هي تلك المنازل ذات الطابقين، أحدهما سفلي تحت الأرض يساعد على التأقلم مع الحرارة المتفاوتة صيفا وشتاء.ومن أروع تلك المنازل ذات الطابق الأرضي منزل الصيد البرّي ومنزل الصيد البحري نسبة إلى مشاهد اللوحات الفسيفسائية المزيّنة للأوّل والثاني، وتمتاز بتعدّد غرفها ومرافقها العجيبة:من ذلك احتواؤها على كنيسة خاصة يتعبّد فيها سكان المنزل الكثيرون، وعلى حمّامات خاصة بهم. فلعلّ هذه المنازل كانت خاصة بسكنى الصيادين الأثرياء أو المنخرطين في الجمعيات المنظمة لمهرجانات بلاّريجيا.أمّا المجموعة المعروضة بمتحف باردو من آثار بلاّريجيا وهي التي تعود إلى نهاية القرن الثاني وبداية القرن الثالث، فهي تماثيل نحتت في بلاّريجيا وفي أماكن أخرى ثمّ جلبت إلى معابد المدينة، دلالة على انتشار الرّومنة، وعبادة أبولون بدرجة أولى وديميتير وأسكولاب وأتينا وساتورن بدرجة ثانية.

أحد التماثيل لتي ما زا لت موجودة بالموقع
دار الصيد ببلاريجيا
الطابق السفلي وبه تبليطات فسيفسائية
المسرح الروماني ببلاريجيا
العثور ببلاريجيا على لوحة فسيفسائية تمثل قصة النبيء يونس عليه السلام
أعلن الباحث في علم الأثار الدكتور محي الدّين الشوالي أنّ الحفريات التي جرت بالموقع الأثري ببلاّريجيا خلال سنة 2017 أفضت إلى اكتشاف لوحة فسيفسائة تعود الى القرون الخامس والسادس والسابع وتحمل هذه اللوحة قصة النبي يونس عليه السلام مثلما وردت بالديانات السّماوية. أوضح الشوالي أنّ اللوحة الفسيفسائية رسم عليها شخص في فم حوت وسفينة عليها شخصان ثم شخص تحت شجرة بعد ان نجا من الحوت كما تظهر بنفس اللوحة بمدينة نينوا العراقية.

لوحة فسيفسائية تمثل قصة النبيء يونس عليه السلام
أهم ملامح تاريخ الموقع
قد عثر في بلاّريجيا على جملة من القبور الجلمودية والقبور البونية الحديثة أو المتأخرة.وهو ما يدلّ على تواصل الحضارة فيها. إلاّ أن الحضور الروماني بها أخذ يتأكّد ويتوسّع منذ إنشاء مقاطعة أفريكا سنة 146 ق. م، وخاصة انتصار قيصر في تبسّة سنة 46 ق. م. فمن ذلك التاريخ انتشرت في المنطقة عدّة مستعمرات رومانية. وحافظت بلاّريجيا، مع ذلك، على استقلالها الداخلي وعلى تقاليدها وتنظيمها السياسي بصفتها مدينة حرّة (Oppidum Liberum).
كانت بلاّريجيا أوّل الأمر بلدية منذ ق 1م، وتقريبا في عهد (Vespasien) الامبراطور الذي حكم من سنة 69 إلى سنة 79م. ثم أصبحت مستعمرة بفضل (Hadrien) الامبراطور الذي حكم من سنة 117إلى سنة 138م. هكذا أصبح لبلاّريجيا تنظيم بلدي ومجلس منتخب على منوال مدينة روما. وبهذا أصبحت مركزا عمرانيا كبيرا مستقطبا لعدّة سكان نازحين لما توفّر فيها من مؤسسات ومرافق. هذا ما تؤكّده الآثار التي يعود الظاهر منها اليوم إلى الفترة الممتدّة من ق 1 إلى ق 6م. في حين تعود آثار المنشآت العمومية الكبيرة إلى إلى الفترة الرومانية المزدهرة. في تلك الفترة تمكّن بعض أفراد من العائلات الكبيرة من الاسهام في إدارة الامبراطوريّة وفي الدخول إلى ما يشبه عندنا اليوم بمجلس النواب أو مجلس الشيوخ، بل إن بلاّريجيا هي المدينة الإفريقية التي قدّمت لروما أكبر عدد من الشيوخ والنواب. وهو ما يدلّ على ازدهارها وحيويتها رغم تواضع عدد سكانها. وهو عدد لا يتجاوز بعض الالاف نسمة.
ولكنها غنية باقتصادها وثرواتها الفلاحيّة. وقد شهد بذلك الأسقف أوغسطينوس عندما مرّ ببلاّريجيا سنة 399م، وفيها خطب منتقدا بعض عادات السكان، من ذلك التردّد على المسرح، هذا النوع من التسلية الذي حرّمته الكنيسة المسيحية، فقد قاطعه أهالي شمتو، المدينة المجاورة لبلاّريجيا، ومازالت هذه محافظة عليه. وبالفعل فقد انتشرت المسيحية في المدينة ولكن الخلافات لم تخمد حتى إنّه في سنة 411م كان لا بدّ من تمثيل المدينة في مؤتمر قرطاج باثنين من قساوستها، أحدهما كاثوليكي والآخر دوناتي، ولكنّ المهتمين بالموضوع لا يعرفون كيف قُضي على الدّوناتية بحيث لم تبق إلاّ الكاثوليكية ممثلة للديانة المسيحية. وكذلك المعلومات عن الفترة الوندالية والبيزنطية ما عدا حلقة من الاستيلاء البيزنطي رواها الكاتب المعاصر للأحداث آنذاك بروكوب (Procope) سنة 533م. فبعد أن افتكّت قرطاج من الوندال اعتصموا في بلاّريجيا ولكنهم لم يصمدوا أمام البيزنطيين الذين احتلّوا المدينة، ولم تستتبّ أوضاعهم بها نظرا إلى الانتفاضات التي قام بها الأهالي. ومن آثار تلك الفترة المضطربة حصن صغير وتحصينات المسرح. وإذا كانت فترة الانحطاط مجهولة، فإنّ وجود أسقف ببلاّريجيا في أواسط ق 7م يدلّ على استمرار العمران بها ولو بشكل متواضع، وقد عثر فيها على كنز ذي 260 قطعة نقدية فضيّة تعود إلى النصف الثاني من ق 6هـ/21م. ولكن في الفترة الإسلامية التي لم تخلّف في بلاّريجيا أيّ معلم مهمّ بدأت الحياة تنطفئ تدريجيا لفائدة مراكز عمرانيّة جديدة أهمّها جندوبة أو سوق الأربعاء سابقا حيث توفرت حظوظ التنمية بالطريق الرئيسة الجديدة وخطّ السكة الحديدية المنشأتين في عهد الحماية الفرنسيّة لأغراض استعماريّة.
وإلى اللقاء في موقع أثري آخر