
هو من مواليد جانفي80 18 المعمور حيث تحصل على شهادة التطويع ثم واصل تعلمه سنتين بعدها و بتوفي والده انقطع عن الدراسة و باشر العدالة بالقلعة الكبرى. و كان أثناء دراسته بالجامع المعمور حضر محاضرة ألقاها بالقلعة الكبرى ،حفظ القران بالكتاب ثم انتقل إلى جامع الزيتونةالمصلح الكبير الشيخ محمد عبدو الذي تعمم في ذلك الوقت و خاطب الحاضرين قائلا:” تعممت لأريكم أنه لم يزل تحت العمائم رجال”.
وقد كان الشيخ من مؤسسي المدرسة القرآنية (مدرسة ابن خلدون) التي فتحت أبوابها في 2 ديسمبر 1944 بإدارة المرحوم جمعة الهرقلي .
كما كان شيخنا خطيبا مصقعا حتى أنه لقب بخطيب الساحل.و قد تمرس على الخطابة منذ الصغر إذ عمد وقتها مع المرحومين الشيخين فرج عاشور معلم من المكنين و القاضي محمد عبد الجواد من قصيبة المديوني ،تولى هؤلاء الثلاثة تأسيس “جمعية الخطابة العربية” وهم طلبة بالمدرسة المنتصرية بتونس.
و برجوعه إلى القلعة كان الشيخ محمد بن عبد السلام يدعى في كثير من المناسبات لإلقاء كلمة،و في زيارة قام بها الراحل الحبيب بورقيبة ألقى كلمة ببطحاء “الجرف” خاطب فيها الزعيم آنذاك قائلا”يا سيادة الزعيم ،إذا تقدمت نحونا فرنسا بشبر،فلنتقدم نحوها بذراع…” فأعجب به الزعيم .
و في زيارة قام بها المقيم بيار دولاتور دومولان إلى القلعة ،ألقى الشيخ كلمة قال فيها”نطالب باطلاق سراح الزعيم بورقيبة و من معه من السجناء”.
و بعد الحرب العالمية كانت مدينة سوسة قد دكت بالقنابل، أهدت الشقيقة مصر لتونس باخرة محملة بالاسمنت ألقى بالمناسبة كلمة شكر و ترحيب بالمصريين.
و كان ضمن وفد الساحل بمناسبة اعتلاء المغفور له الباي المنصف باشا باي عرش تونس و تم اختياره لإلقاء كلمة باسم الوفد.و تولى الشيخ إمامة المصلين في الجمعة و الأعياد إلى أن أعجزه تقدمه في السن عن ذلك و كانت خطبه مؤثرة إلى حد جعل المصلين يبكون أحيانا معه لشدة التأثر.
و في كل تعيين كاهية جديد بالقلعة، يعهد إلى الشيخ أن يلقي كلمة بمناسبة تنصيب المسؤول الجديد , و في كلمة رد بها عن الكاهية الذي أشار أن أبناء القلعة صعيبي المراس قال “إن أهالي القلعة من أطوع الناس متى وجدوا حاكما يرعى مصالحهم و يتفهم مشاكلهم…”
كان الشيخ محبا لعائلته يسعى إلى التآلف و الوفاق و كان يلتجئ إليه الكثير من العائلات للوفاق بينهم عند حدوث خلاف و قد تجاوز ذلك إلى التدخل في ما بين القلعة و أكودة و اليهود و المسلمين و أوى الكثير منهم أثناء الحرب العالمية الثانية.
و آخر ما أوصى به قبل انتقاله إلى الرفيق الأعلى في وسطه العائلي “أوصيكم بالدعوة للألفة” و من يتسبب في مشكل “ربي يحكم فيه” و اخرما نطق به الشيخ عند سكرات الموت قوله جل و علا ” لقد جاءت سكرة الموت بالحق”.
و من الناحية الفكرية كان الشيخ شغوفا بالمطالعة إذ كان منخرطا بجريدتين الزهرة و النهضة ،كما كان يطالع الكتب الدينية،و مؤلفات الفلاسفة خصوصا أبو حامد الغزالي ،
و كتب الأدب، و الشعر، و الطب، و التاريخ القديم و المعاصر حتى أنه كان يسرد تاريخ تونس بتفاصيله من البربر إلى الاستقلال.
و كان يحرص على سرد كتاب السيرة النبوية الذي أصبح يحفظها عن ظهر قلب، كان يقراها ليلة المولد النبوي الشريف بالمنزل بحضور أقاربه و جيرانه، و صبيحة المولد بالجامع الأعظم لعموم الحاضرين.هذا إلى جانب دروس في الوعظ و الإرشاد بنفس الجامع بعد صلاة العصر أو قبل صلاة العشاء.و من جهة أخرى، و في نطاق الخطابة كان يدعى لتأبين بعض الشخصيات أحيانا فقد قام بتأبين قاضي سوسة المرحوم الشيخ عبد الحميد السقا،مبتدئا بقوله شعرا(و الحال أنه لم يكن شاعرا):على سوسة فليبك من كان باكيا: على سوسة فلتندب الثكلاء..كما أبن المرحوم الاكودي الشيخ راجح إبراهيم نثرا.
و عند عمل شاهد عدل كان يبتعد عن كل ما فيه شبهة من إلحاق ضرر ليتيم أو مغفل عقليا و بيع و شراء شيء مشبوه فيه، و كان يلقى لصغاره من أبنائه و أحفاده”ارحم من في الأرض يرحمك من في السماء” أو “و إن الذي بيني و بين بني أبي و بين بني أمي لمختلف جدا،فان أكلوا لحمي و فرت لحومهم، و إن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا”.
هكذا كان شيخنا الوقور و هكذا كان مشواره، متبعا في سيرته التسامح حيث كان يقول”المسلم سمح إذا باع، سمح إذا اشترى، سمح إذا قاضى، سمح إذا قضى…و كان يشجع على العلم و التعلم و على إتباع سيرة الصالحين كلما أمكن ذلك.