بطاقة في الاقتصاد
أ.د. محمد الصغير قايد
تطالعنا من حين إلى أخر المنابر الحوارية التلفزيونية بآراء ونظريات حول وضعية الاقتصاد في بلادنا وأصبح في يومنا هذا أكثر من مليون محلل اقتصادي تتراوح آراؤهم بين متفائل ومتشائم فالكل يحرث في ماء البحر والكل يزرع في مهب الارياح وبأنني لست أكاديميا اقتصاديا أو محللا سياسيا وإنما أستاذ علوم نظرية له خبرة تفوق 30 سنة في التعليم والهندسة الجيولوجية فيمكن لي أن أتقدم بهذه الخواطر الشخصية حول الوضعية الحالية للاقتصاد وفي مستهل هذا التحليل لابد من الإشارة ولو بإيجاز إلى مصادر الثروة في بلادنا .
*تعتمد بلادنا منذ العصور الأولى على الفلاحة حيث زراعة الزيتون التي طورها الفينيقيون وحيث الزراعات الكبرى إذ أن في العصر الروماني كانت تونس تسمى مطمور روما وحيث زراعة النخيل في الجنوب التونسي ومازالت إلى يومنا هذا تونس تنتج أجود أنواع التمور وهي دقلة نور ….الخ
وفي عهد الاستقلال أدخلت تونس العديد من الزراعات والمنتوجات الفلاحية الغير تقليدية مثل زراعة البكورات التي غزت أسواق العالم وخاصة منها الأسواق الأوروبية ولا ننسى في هذا الباب زراعة وإنتاج القوارص إذ أن بلادنا لها شهرة عالمية في تسويق البرتقال وخاصة منها المعد للعصير .
* منذ بداية الستينات في القرن الماضي شجعت الدولة على تشييد وبعث وحدات فندقية هائلة وذلك لاستقطاب سواح من كامل أنحاء العالم ونجحت في استقطاب أكثر من مليون سائح في السنة وطمحت للمزيد وذلك للوصول إلى خمسة ملايين سائح سنويا ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.
*كانت تونس قبل الاستقلال تزخر بالعديد من المدخرات المعدنية مثل الزنك والرصاص والنحاس والفسفاط والبترول وغيرها إلا أن المستعمر الفرنسي قام باستغلال العديد منها ولكن الاستكشافات الحديثة أوضحت أنه مازال الكثير لم يتم استخراجه وبحكم ارتفاع أسعار الخامات في السوق العالمية فمن المستحسن الرجوع إلى المناجم القديمة والتي بها خامات كانت غير قابلة للاستغلال لأن مرد وديتها كانت ضعيفة قبل ارتفاع الأسعار
إن بلادنا ليست بترولية بامتياز مثل جيرانها ولكنها تزخر بالعديد من الصخور الغنية بالمواد الكربونية التي يمكن تثمينها واستغلالها كمصدر للطاقة .
من يذكر تونس في الوقت الحاضر فانه يذكر إنتاج الفسفاط فتونس هي بامتياز بلاد الفسفاط حيث كان ترتيبها الثالثة عالميا من حيث طاقة الإنتاج والتسويق أما الآن فإنها تقهقرت إلى المرتبة السادسة أو أكثر وهذا بسبب تقاعس أولادها وهشاشة حكوماتها .
تونس أصبحت اليوم بلاد الرخام حيث تنتج ألاف الملايين من الأمتار المكعبة من الرخام المعد للاستهلاك المحلى أو للتصدير خاصة وأن العديد من البلدان تحبذ تزيين سكناهم ومحلاتهم التجارية برخام تونس المجلوب من تالة وشمتو وغيرها من المقاطع.
ولا ننسى في هذا الجرد الموجز العديد من الخامات المعدنية الأخرى مثل الطين الخزفي والرمل البلوري والحجارة الجيرية ذات البياض الناصع وغيرها.
إذن ماهي أسباب تقهقر الاقتصاد التونسي خاصة بعد ثورة 14 جانفي المجيدة ؟
في اعتقادي أن مصادر الثروة في تونس متعددة وهذه الثروة قابلة للاستغلال والتثمين إذا تهيأت الظروف الملائمة لذلك وإذا أصبحت لدى التونسي إرادة تلقائية للعمل وإذا أصبح للدولة نفوذ حقيقي وبالتالي يمكن أن تتدفق خيرات بلادي بعد العزوف على منطق الإضرابات والاعتصامات وقطع الطرق والتهريب والإرهاب أضف إلى ذلك فإن العقلية لا بد أن تتغير فمنطق الكرسي والربح السهل والتهريب الجبائي وتبييض الأموال “والمافيا” لابد أن يزول نهائيا من بلادنا
والى اللقاء في بطاقة أخرى.