قراءة في كرة القدم التونسيّةأ. محمد علي بن عامر
|
لا يختلف اثنان من الرياضيين أو غير الرياضيين في أنّ مشاركة تونس رسميا في تظاهرة كأس العلم المنتظمة بروسيا حديثا، كانت مشاركة مخجلة و محبطة للآمال مخيبة للتوقعات و مخزية للجماهير التي حضرت المقابلات و شجعت بكل قواها اللاّعبين على عكس سلوكها على مدارج الملاعب التونسية حيث العنف و العريدة و الحروب الكلامية وحتّى المادّية و تبادل التّهم و النقاشات البيزنطيّة بالقنوات التلفزية و الإذاعات و الصحف لكن وحتّى لا يضيع منّي خيط الحديث فإني أفضّل أن أدلي بدلوي في الموضوع لا من جانب التقنيات الرياضية و قواعد اللعبة لأنّي أجهل الناس بها و لكن من الجانب الوطني خاصة و أنّ سمعة تونس كانت في المحك و أنّ اللاّعبين كانوا سفراء تونس لدى كلّ دول العالم المشاركة في التصفيات أو البلدان المنتخبة للمشاركة في كأس العالم.ولا أرمي من هذا المقال تصفية حسابات أو كيل الشتائم لأحد أو المس من أيّ لاعب أو مسيّر أو مسؤول و لكن الهدف الذي أقصد هو أن أشرح للتونسيين ما بلغته بلادنا من هوان و خسران في كلّ المجلات سياسيا واقتصاديا و اجتماعيا و نفسيّا و انعكاسات ذلك كله على الرياضة التونسيّة عموما و كرة القدم على وجه أخصّ و المستوى المتدنّي للفريق الوطني و الأداء الهزيل الذي قام دليلا على ما ينخر تونس من فساد و دمار لحق كلّ القطاعات بدءا بالإقتصاد و انتهاء بالرياضة. والغريب هو ما أصاب الشعب التونسي من قصر النّظر و قصور الذاكرة و اضطراب الرؤية. وليست الثورة سببا وحيدا فيما حلّ به من أمراض وتخلف فقد بدأت المحنة منذ العشرية الثانية لحكم بن علي الذي لم يدخر وسعا في كبت الحرّيات و بسط النفوذ على كلّ الثروات و تهميش التعليم و طمس الثقافة و قتل المعنويات و المواهب و تجهيل الأجيال والدفع
بها إلى الفساد بأنواعه والثراء الفاحش على حساب الطبقة المتوسطة و الطبقة الفقيرة.
كان لهذا الوضع الأثر المحفّز للثورة على الوضع المتردّي. وكانت الثروة و راح بن علي بخيره و شره و تولت الحكم اقوام ليس همهم الاصلاح بل همّهم المسك بالغنيمة و العض عليها بالأنياب. وبلغت البلاد حالة من الفوضى و الفساد و الرشوة والمتاجرة بالمخدّرات و تنشيط الاقتصاد الموازي و التهريب و إضعاف دعائم الدولة بالارهاب و تجويع الشعب. من نتاج ذلك فقد أصاب الرياضة ما أصاب الأمن والاقتصاد وأصبحت كرة القدم بيد اللوبيات على غرار قطاعات أخرى لعبت فيها رشوة الحكام و المسيّرين و الفرق دورا حلّ محلّ ما كان لكرة القدم التونسيّة من سمو و شرف المنافسة و حذوة الهواية توجتها المشاركة المشرفة في كأس العالم سنة 1978 بالأرجنتين و لأوّل مرّة عرقت الدّنيا أن هناك وطنا عربيّا مسلما و إفريقيا مثّلهم جميعا في تلك التظاهرة هو تونس وقد عرفها العالم قبل ذلك في المكسيك في بطولة العدو في قدمي محمد القمّودي.
منذ ذلك العهد لم يذق الشعب التونسي فرحة رياضيّة تذكرو حتى مشاركتنا الإفريقية و الأولمبية و الكروية فقد كانت واهية باهتة. وبعد السنين الطويلة استيقظ الأمل و لكنه كان أملا عليلا معلولا وذهب في ذهن الأحباء أنّ الكرة التونسيّة نهضت من سبات و أننا سنذهب إلى روسيا على أتمّ الاستعداد للإطاحة بأعتى الفرق الأوروبية و الأسيوية. ومما زاد الطين بلّة مردود المنتخب في المقبلات الودّية التي ذهب في خيال الجمهور التونسي المتعطش لجرعة سعادة طال زمن غيابها ذهبت بعيدا في التفاؤل و قد كان واهما في خياله فانتصارات المنتخب في تلك المقبلات لم تكن لتعكس حقيقة مستواه البدني و الفنّي لأسباب عديدة أبرزها:
– الفرق التي لعب ضدّها لم تقدّم المستوى العالي لها ذلك أنّ عديد اللاّعبين البارزين لم يكونوا متواجدين بالميدان خشية أن تلحق بهم إصابات تضّر بالفريق الأساسي المقبل على تظاهرات أساسية.
-الاعلام كان عاملا خطيرا منذ أول الاستعدادات ومنذ تولي السيد الممرّن مسؤولية المنتخب. وكان لزاما على الإعلام أنّ يتوخّى الإعتدال في تفاؤله الكاذب.
لقد لعب الإعلام أدوارا عدّة حسب أهواء العاملين فيه و المهتمين بالشأن الرياضي على نسق المهتمين بالشأن السياسي الذين لم يبرعوا إلا في هذر الكلام و شقشقة اللّفظ فما يعاب على إعلامنا نزعته إلى تهويل الانتصارات و التزييف و التمويه على الذين ذهب في ظنّهم أن المنتخب في كامل لياقته و ان عناصرهم خيرة اللّاعبين على وجه الأرض .
فكان ما كان من تحول لافت للجمهور التونسي لتشجيع المنتخب ولابدّ هنا أن نحيي هذا الجمهور ونكبر تضحياته وما بذله من طاقات وأموال أبهرت العالم وأعطت لتظاهرة كأس العالم 2018 حلاوة ورونقا آخر و أكسب تونس سمعة لاتظاهيها سمعة بينما تجرّع المرارة تلو المرارة طيلة الإقامة بموسكو والمدن الأخرى فتحية يا شعبي الأبي وطوبى لك وحسبنا الله ونعم الوكيل فيمن انكشف نفاقهم وكذبهم وإجرامهم في حق شعب لا يزال يعاني عذابات الثورة التي أرته النجوم في القائلة ولم يجد منها إلا الخيبات والفقر وانهيار شبه تام لمؤسسات الدّولة وهيبتها وهاهي الرياضة التي تمثل مرآة التقدّم لدول تحترم شعوبها وتعمل على إسعادها وإدخال الفرحة لقلوب مواطنيها. فللّه الأمر من قبل ومن بعد.
هاهي الرّياضة في تونس وهذه حالها لقد كانت مدرسة للمواهب والأجيال واحتضان النجوم الكروية وغير الكروية هي اليوم سوق لمدعي الاحتراف والخردة من اللاعبين الأجانب وما نشأ عن ذلك من فساد وما مكن المسيرين في أعلى هرم الرياضة من العبث بشؤونها وتكديس الأموال والمحسوبية والقرابة العائليّة تماما كما كان يفعل بتونس زمن بن علي .
هل هذا قدر تونس؟ هل هذا ما شاء بورقيبة أن يحققه فيها ولها؟ هل أدرك هذا الشعب عمق مأساة هذا البلد الذي تكالب عليه كل من هبّ ودبّ في الدّاخل والخارج؟
هل فهم هذا الشعب سخرية من بلغت بهم الوقاحة أن يصرّحوا أنّ الكرة التونسية لا يتعدّى مستواها القارة الافريقية وهي غير مؤهلة لخوض البطولات العالمية؟ خسئت والله… لأنت الجاحد اللّئيم أنت ومن لفّ لفّك ومتعك بما تحظى به اليوم من أموال وعلاقات مشبوهة. يتولاك ربي أيّها الخائن المتباكي على خسرانه وخسران فريقه….
ثمّ ماذا بعد كل هذا؟ ماذا ينتظر من جماهير كرة القدم ؟ أن يبسط لك السجّاد الأحمر, لتعبر عليه ويعزف لك النشيد الوطني؟ لست أهلا لذلك بل أنت لا تصلح أن تكون مدربا من أصلك أنت مجرّد لاعب قديم في فريق عتيد لا تعرف من فنيّات التدريب المعاصر شيئا أنت عندما تتكلم عن خسارتك محاولا أن تبررها وتعبّر عن ايجابيات وهميّة تشعرني أنّك مهلوس ومهووس و أنك في نفاقك القديم هدفك أن تواصل مسيرتك على رأس الفريق وكأنّ شيئا لم يكن
لم لا وأنت محصّن مدعم من جامعة كرة القدم التي تولى أمرها على مدى الحياة رجل لاهمّ له إلا اكتساب الانصار والمؤيدين بما يغدقه عليهم من منافع ومزايا كالذين اصطحبهم معه إلى روسيا اعترافا بجميل مودّتهم وإخلاصهم.
بودّي أن أقف عند هذا الحدّ من الحديث لأنّي أحس بقرف وغثيان من دناءة بعض النّاس الذين فقدوا احساس الكرامة والحياء والضمير وباتوا يأكلون المال أكلا لمّا من عرق هذه الأمة التي ضاقت ذرعا بهم جميعا ولو كان بالإمكان ترك هذا البلد لغادرناه وقلوبنا دامية وعيوننا دامعة حزنا على وطن منهك مخذول لم يبق في صلاحه مؤمّل.
والآن وقد أسدل الستار بانتصار يتيما يصون ماء الوجه على فريق باناما فانّ ذلك لايعبّرعن الوضع المتردي الذي عليه الرياضة في تونس شيئا. لأنّ الفساد عام شامل و المتمعّشون منه كأنّهم العلق يمتص الدّماء و لا بقاء له بدونها.
فلو بقى في هذا الوطن رجل واحد يغار على سمعته ويوثى لحاله لهاله ما أضحى عليه كل قطاع من قطاعات المجتمع من هوان وفوضى وانغماس مقيت في اللامبالاة لدى كل المسيّرين والذين شغلتهم دنياهم وحرصهم على الكراسي وعبادتهم للمال الحرام عن إصلاح الأوضاع ورأب الصدع وايجاد الحلول لانقاذ ما يمكن انقاذه عسى أن يسلم هذا الوطن من الانحلال والتبعيّة المذلة ولكن
لقد أسمعت لو ناديت حيّا
ولكن لا حياة لمن تنادي
لك الله يا تونس لأنّ أبناءك أهانوك وباعوك وساستك لا يحركون ساكنا لإصلاح الوضع المتردّي الذي أضحت عليه تونس بسببهم وسبب سياستهم الخرقاء.
مرة أخرى لك الله يا تونس وكفى الرياضة رثاء ونواحا.